(ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ ، إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أى : قال لهم موسى : أيها السحرة ، إن الذي جئتم به هو السحر بعينه ، وليس الذي جئت به أنا مما وصفه فرعون وملؤه بأنه سحر مبين.
وإن الذي جئتم به سيمحقه الله ويزيل أثره من النفوس ، عن طريق ما أمرنى الله به ـ سبحانه ـ من إلقاء عصاي ، فقد جرت سنته ـ سبحانه ـ أنه لا يصلح عمل الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وصنيعكم هذا هو من نوع الإفساد وليس من نوع الإصلاح.
وقوله : (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) تأكيد لسنة الله ـ تعالى ـ في تنازع الحق والباطل ، والصلاح والفساد.
أى : أنه جرت سنة الله تعالى ـ أن لا يصلح عمل المفسدين ، بل يمحقه ويبطله ، وأنه ـ سبحانه ـ يحق الحق أى يثبته ويقويه ويؤيده (بِكَلِماتِهِ) النافذة ، وقضائه الذي لا يرد ، ووعده الذي لا يتخلف (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ذلك لأن كراهيتهم لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، لا تعطل مشيئة الله ، ولا تحول بين تنفيذ آياته وكلماته وقد كان الأمر كذلك فقد أوحى الله إلى موسى (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).
ثم انتقلت السورة الكريمة للحديث عن جانب مما دار بين موسى ـ عليهالسلام ـ وبين قومه بنى إسرائيل ، إثر الحديث عن جانب مما دار بينه وبين فرعون وملئه وسحرته فقال ـ تعالى ـ :
(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا
__________________
(١) سورة الأعراف الآيتان ١١٧ ، ١١٨.