بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(٨٧)
قال الجمل : «قوله ـ سبحانه ـ (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ ..). لما ذكر الله ـ تعالى ـ ما أتى به موسى ـ عليهالسلام ـ من المعجزات العظيمة الباهرة ، أخبر ـ سبحانه ـ أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ، ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه. وإنما ذكر الله هذا تسلية لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه ، وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به ، واستمرارهم على الكفر والتكذيب ، فبين الله له أن له أسوة بالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ. لأن ما جاء به موسى من المعجزات ، كان أمرا عظيما. ومع ذلك فما آمن له إلا ذرية من قومه» (١).
والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف يدل عليه السياق ، والتقدير : لقد أتى موسى ـ عليهالسلام ـ بالمعجزات التي تشهد بصدقه ، والتي على رأسها ، أن ألقى عصاه فإذا هي تبتلع ما فعله السحرة ، ومع كل تلك البراهين الدالة على صدقه ، فما آمن به إلا ذرية من قومه.
والمراد بالذرية هنا : العدد القليل من الشباب ، الذين آمنوا بموسى ، بعد أن تخلف عن الإيمان آباؤهم وأغنياؤهم.
قال الآلوسى : قوله (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) أى : إلا أولاد بعض بنى إسرائيل حيث دعا ـ عليهالسلام ـ الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون ، وأجابته طائفة من شبابهم فالمراد من الذرية : الشبان لا الأطفال (٢).
والضمير في قوله (مِنْ قَوْمِهِ) يعود لموسى ـ عليهالسلام ـ ، وعليه يكون المعنى : فما آمن لموسى ـ عليهالسلام ـ في دعوته إلى وحدانية الله ، إلا عدد قليل من شباب قومه بنى إسرائيل ، الذين كانوا يعيشون في مصر ، والذين كان فرعون يسومهم سوء
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٦٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٤٨.