قلت : الكلام مبنى على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر ، فوجب أن يتناول معنى الأخر السبع ، ويكون قوله «وأخر يابسات» بمعنى : وسبعا أخر يابسات» (١).
وفي نداء الملك لقومه قوله (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي ...) تشريف لهم ، وحض على استعمال عقولهم وعلومهم في تفسير هذه الرؤيا التي أزعجته.
واللام في قوله «للرؤيا» لتقوية الفعل «تعبرون» حيث تأخر عن معموله.
ويبدو أن القوم في ذلك الزمان ، كان بعضهم يشتغل بتفسير الرؤى ، وكان لهذا التفسير مكانته الهامة فيهم ...
فقد مرت بنا رؤيا يوسف ، ورؤيا رفيقيه في السجن ، ثم جاءت رؤيا الملك هنا ، وهذا يشعر بأن انفراد يوسف ـ عليهالسلام ـ بتأويل رؤيا الملك ، في زمن كثر فيه البارعون في تأويل الرؤى ، كان بمثابة معجزة أو ما يشبه المعجزة من الله ـ تعالى ـ ليوسف ـ عليهالسلام ـ حتى تزداد مكانته عند الملك وحاشيته.
وقوله ـ سبحانه ـ (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) حكاية لما رد به الكهان والأشراف على ما طلبه الملك منهم.
والأضغاث : جمع ضغث ـ بكسر الضاد ـ وهو ما جمع في حزمة واحدة من مختلف النيات وأعواد الشجر ، فصار خليطا غير متجانس.
والأحلام : جمع حلم وحلم ـ بإسكان اللام وضمها تبعا للحاء ـ وهو ما يراه النائم في منامه ، وتطلق كثيرا على ما ليس بحسن ، ففي الحديث الصحيح : «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» (٢).
أى : قال الملأ للملك : ما رأيته أيها الملك في نومك ما هو إلا تخاليط أحلام ومنامات باطلة ، فلا تهتم بها.
فهم قد شبهوا ما رآه بالأضغاث في اختلاطها ، وعدم التجانس بين أطرافها.
ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : «وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين».
أى : إننا لسنا من أهل العلم بتفسير تخاليط الأحلام ، وإنما نحن من أهل العلم بتفسير المنامات المعقولة المفهومة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢٣.
(٢) صحيح البخاري ـ كتاب التعبير ج ٩ ص ١٧.