أى : وقال ملك مصر في ذلك الوقت لكبار رجال مملكته : إنى رأيت فيما يرى النائم «سبع بقرات» قد امتلأن شحما ولحما (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ) أى : يأكل هذه البقرات السبع السمان ، سبع بقرات أخرى عجاف أى : مهازيل ضعاف.
ورأيت ـ أيضا ـ فيما يرى النائم «سبع سنبلات خضر» قد امتلأت حبا ، ورأيت إلى جانبها سبع سنبلات «أخر يابسات» قد ذهبت نضارتها وخضرتها ، ومع هذا فقد التوت اليابسات على الخضر حتى غلبتها.
(يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) أى : الأشراف والعلماء من قومي «أفتونى في رؤياي» أى : فسروا لي رؤياي هذه وبينوا لي ما تدل عليه.
(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أى : إن كنتم تعرفون تفسيرها وتأويلها معرفة سليمة ، وتعلمون تعبيرها علما مستمرا.
و «تعبرون» من العبر ، وهو اجتياز الطريق أو النهر من جهة إلى أخرى وسمى المفسر للرؤيا عابرا ، لأنه يتأمل فيها وينتقل من كل طرف فيها إلى الطرف الآخر ، كما ينتقل عابر النهر أو الطريق من جهة إلى أخرى.
قال بعض العلماء : والتعريف في «الملك» للعهد ، أى ملك مصر ، وسماه القرآن هنا ملكا ولم يسمه فرعون ، لأن هذا الملك لم يكن من الفراعنة ملوك مصر المصريين ، وإنما كان ملكا لمصر أيام أن حكمها «الهكسوس» وهم العمالقة الذين ملكوا مصر من ١٩٠٠ قبل الميلاد إلى سنة ١٥٢٥ ق. م.
فالتعبير عنه بالملك هنا ، دون التعبير عنه بفرعون مع أنه عبر عن ملك مصر في زمن موسى بفرعون ، يعتبر من دقائق إعجاز القرآن العلمي .. (١).
وقال «إنى أرى» بصيغة المضارع مع أنه قد رأى بالفعل ، استحضارا لصورة الرؤيا حتى لكأنها ماثلة أمامه.
وقال «وأخر يابسات» بدون إعادة لفظ سبع كما في البقرات ، للاكتفاء بدلالة المقابل في البقرات عليه.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هل في الآية دليل على أن السنبلات اليابسة كانت سبعا كالخضر؟
__________________
(١) تفسير التحرير والتنوير ج ١٢ ص ٢٨٠ للشيخ محمد الطاهر بن عاشور.