وقال مجاهد وعكرمة : إنه الحيض ، ومنه قول الشاعر :
إنى لآتى العرس عند طهورها |
|
وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا |
وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت (١).
أى : وفي أعقاب قول الملائكة لإبراهيم لا تخف ... كانت امرأته قائمة لقضاء بعض حاجاتها ، فلما سمعت ذلك «ضحكت» سرورا وفرحا لزوال خوفه (فَبَشَّرْناها) عقب ذلك بمولودها (بِإِسْحاقَ) كما بشرناها بأن إسحاق سيكون من نسله (يَعْقُوبَ) ، فهي بشارة مضاعفة. إذ أنها تحمل في طياتها أنها ستعيش حتى ترى ابن ابنها ...
ولا شك أن المرأة عند ما تكون قد بلغت سن اليأس. ولم يكن لها ولد ، ثم تأتيها مثل هذه البشارة يهتز كيانها ، ويزداد عجبها ، ولذا قالت على سبيل الدهشة والاستغراب : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).
وكلمة (يا وَيْلَتى) تستعمل في التحسر والتألم والتفجع عند نزول مكروه.
والمراد بها هنا : التعجب لا الدعاء على نفسها بالويل والهلاك ، وهي كلمة كثيرة الدوران على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يدهشن له ، ويتعجبن منه.
أى : قالت بدهشة وعجب عند ما سمعت بشارة الملائكة لها بالولد وبولد الولد : يا للعجب أألد وأنا امرأة عجوز ، قد بلغت سن اليأس من الحمل منذ زمن طويل ، (وَهذا بَعْلِي) أى : زوجي إبراهيم «شيخا» كبيرا متقدما في السن.
قال الجمل : وهاتان الجملتان ـ (وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) ـ في محل النصب على الحال من الضمير المستتر في (أَأَلِدُ) ، وشيخا حال من بعلى ، والعامل فيه اسم الإشارة لما فيه من معنى الفعل» (٢).
وقوله ـ كما حكى القرآن عنها ـ (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) أى : إن هذا الذي بشرتموني به من حصول الولد لي في تلك السن المتقدمة (لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) في مجرى العادة عند النساء وقد رد عليها الملائكة بقولهم : (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ)؟!!
أى : أتستبعدين على قدرة الله ـ تعالى ـ أن يرزقك الولد وأنت وزوجك في هذه السن المتقدمة؟ لا إنه لا ينبغي لك أن تستبعدى ذلك ، لأن قدرة الله لا يعجزها شيء. فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة ، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٥١٠.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤١١.