أى : وما آمن معه إلا عدد قليل من قومه بعد أن لبث فيهم قرونا متطاولة يدعوهم إلى الدين الحق ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية.
قال الآلوسى بعد أن ساق أقوالا في عدد من آمن بنوح ـ عليهالسلام ـ من قومه : ... والرواية الصحيحة أنهم كانوا تسعة وسبعين : زوجته ، وبنوه الثلاثة ونساؤهم ، واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم ...» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله نوح للمؤمنين عند ركوبهم السفينة فقال : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
ومجريها ومرساها ، قرأهما الجمهور بضم الميمين فيهما ، وهما مصدران من جرى وأرسى. والباء في باسم الله للملابسة ، والآية الكريمة معطوفة على جملة ، قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.
أى : قلنا له ذلك فامتثل أمرنا ، وقال لمن معه من المؤمنين : سلموا أمركم لمشيئة الله ـ تعالى ـ وقولوا عند ركوب السفينة : باسم الله جريها في هذا الطوفان العظيم ، وباسم الله إرساءها في المكان الذي يريد الله ـ تعالى ـ إرساءها فيه.
قال الشيخ الفاضل ابن عاشور : وعدى فعل (ارْكَبُوا) بفي ، جريا على الأسلوب الفصيح ، فإنه يقال : ركب الدابة إذا علاها. وأما ركوب الفلك فيعدى بفي ، لأن إطلاق الركوب عليه مجاز ، وإنما هو جلوس واستقرار ، فلا يقال : ركب السفينة ؛ فأرادوا التفرقة بين الركوب الحقيقي والركوب المشابه له ، وهي تفرقة حسنة» (٢).
وجملة (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) تعليل للأمر بالركوب المصاحب لذكر الله ـ تعالى ـ :
أى : إن ربي لعظيم المغفرة ولعظيم الرحمة لمن كان مطيعا له مخلصا في عبادته.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : يقول الله ـ تعالى ـ إخبارا عن نوح أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ..).
وقال ـ سبحانه ـ في موضع آخر : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور : عند الركوب في السفينة وعلى الدابة.
فقد روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أمان أمتى من الغرق إذا
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ٥٠.
(٢) تفسير سورة هود ص ٧٣.