ذاك أن الناس ـ يومئذ يكونون ـ على جسر جهنم» (١).
والمعنى : اذكر ـ أيها العاقل ـ لتتعظ وتعتبر يوم يتغير هذا العالم المعهود بعالم آخر جديد ، يأتى به الله ـ تعالى ـ على حسب إرادته ومشيئته ويوم يخرج الخلائق جميعا من قبورهم ليستوفوا جزاءهم ، وليجازوا على أعمالهم. من الله ـ تعالى ـ الواحد الأحد ، الذي قهر كل شيء وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب.
وختمت الآية الكريمة بهذين الوصفين لله ـ تعالى ـ للرد على المشركين الذين جعلوا مع الله آلهة أخرى يشركونها معه في العبادة ، ويتوهمون أن هذه الآلهة سوف تدافع عنهم يوم القيامة.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يحل بالمجرمين يوم القيامة من عذاب عنيف مهين يناسب إجرامهم وكفرهم فقال : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ، سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ).
وقوله «مقرنين» جمع مقرن ، وهو من جمع مع غيره في قرن ووثاق واحد يربطان به.
والأصفاد : جمع صفد ـ بفتح الفاء ـ وهو القيد الذي يوضع في الرجل ، أو الغل ـ بضم الغين ـ الذي تضم به اليد والرجل إلى العنق.
والسرابيل : جمع سربال وهو القميص.
والقطران : مادة حارة نتنة شديدة الاشتعال تصلى بها جلود الإبل الجربى ، ليزول الجرب منها. أى : وترى ـ أيها العاقل ـ المجرمين في هذا اليوم العسير عليهم «مقرنين في الأصفاد» أى : قد قرن بعضهم مع بعض ، وضم كل قرين إلى من يشبهه في الكفر وفي الفسوق وفي العصيان ، وقد قيدوا جميعا بالأصفاد والقيود والأغلال.
قال ـ تعالى ـ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ ..) (٢).
أى : وأمثالهم من العصاة ، فعابد الصنم يكون مع عابد الصنم ، وشارب الخمر مع شارب الخمر. ويصح أن يكون اقترانهم مع الشياطين كما قال ـ تعالى ـ (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (٣).
هذا عن مشهد المجرمين وهم مقرنون في الأصفاد ، وهو مشهد مهين مذل ولكنه ليس كافيا
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٣٧.
(٢) سورة الصافات الآية ٢٢.
(٣) سورة مريم الآية ٦٨.