وقوله : (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أى : وتغشاهم وتغطيهم ذلة عظيمة ومهانة شديدة ، وفي إسناد الرهق إلى أنفسهم دون وجوههم ، إيذان بأنها محيطة بهم من كل جانب.
وقوله : (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أى : ليس لهم أحد يعصمهم أو يجيرهم أو يشفع لهم ، بحيث ينجون من عذاب الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) تصوير بديع للظلام الحسى والمعنوي الذي يبدو على وجوه هؤلاء الظالمين.
أى : كأنما ألبست وجوههم قطعا من الليل المظلم ، والسواد الحالك ، حتى صارت شديدة السواد واضحة الكدرة والظلمة.
وقوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) بيان لسوء عاقبتهم ، وتعاسة أحوالهم.
أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة ، أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا أبديا لا نهاية له.
وهكذا نرى في هذه الآيات الكريمة تصويرا بديعا لما عليه المؤمنون الصادقون من صفات حسنة ، ومن جزاء كريم ، يتجلى في رفع درجاتهم ، وفي رضا الله ـ تعالى ـ عنهم : كما نرى فيها ـ أيضا ـ وصفا معجزا لأحوال الخارجين عن طاعته ؛ ووصفا للمصير المؤلم ، الذي ينتظرهم يوم القيامة ، (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ).
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من الأقوال التي تدور بين المشركين وبين شركائهم يوم القيامة ، فقال ـ تعالى :
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ(٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٣٠)