جحدتم نعمه وغمطتموها واستعملتموها في غير ما يرضيه ، محقها من بين أيديكم ، فإنه ـ سبحانه ـ عذابه شديد ، وعقابه أليم.
هذا ، وقد ساق الإمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث الموجبة للشكر ، والمحذرة من الجحود فقال :
وقد جاء في الحديث الشريف : «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
وروى الإمام أحمد عن أنس قال : أتى النبي صلىاللهعليهوسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها ـ أو وحش بها أى : رماها ـ قال : وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقال السائل : سبحان الله!! تمرة من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال للجارية : اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التي عندها (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن موسى قد أخبر قومه أن ضرر كفرهم إنما يعود عليهم ، لأن الله ـ تعالى ـ غنى عن العالمين فقال ـ تعالى ـ : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ، فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ).
أى : وقال موسى ـ عليهالسلام ـ لقومه : إن تجحدوا نعم الله أنتم ومن في الأرض جميعا من الخلائق ، فلن تضروا الله شيئا ، وإنما ضرر ذلك يعود على الجاحد لنعمه ، والمنحرف عن طريقه ، فإن الله ـ تعالى ـ لغنى عن شكركم وشكرهم ، مستحق للحمد من جميع المخلوقين طوعا وكرها.
ويبدو من سياق الآية الكريمة أن موسى ـ عليهالسلام ـ إنما قال لقومه ذلك ، بعد أن شاهد منهم علامات الإصرار على الكفر والفساد ، وترجح لديه أنهم قوم لا ينفعهم الترغيب ولا التعريض بالترهيب ، ولمس منهم أنهم يمنون عليه أو على الله ـ تعالى ـ بطاعاتهم فأراد بهذا القول أن يزجرهم عن الإدلال بإيمانهم ، والمن بطاعتهم.
فالغرض الذي سيقت له الآية إنما هو بيان أن منفعة الطاعة والشكر والإيمان إنما تعود على الطائعين الشاكرين المؤمنين ، وأن مضرة الجحود والكفران إنما تعود على الجاحدين الكافرين. أما الله ـ تعالى ـ فلن تنفعه طاعة المطيع ، ولن تضره معصية العاصي.
ففي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبى ذر الغفاري ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يرويه عن ربه ـ عزوجل ـ أنه قال : «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٩٩.