لم يتجاوز مكر أمثالهم ممن دمرناهم تدميرا.
وعلى هذه القراءة يكون المقصود بهذه الجملة الكريمة ، الاستخفاف بهم وبمكرهم ، وبيان أن ما يضمرونه من سوء ليس خافيا على الله ـ تعالى ـ ولن يزلزل المؤمنين في عقيدتهم ، لأن إيمانهم كالجبال الرواسي في ثباته ورسوخه.
وقرأ «الكسائي» «لتزول» ـ بفتح اللام على أنها لام الابتداء ، ورفع الفعل بعدها ـ و «إن» مخففة من الثقيلة.
فيكون المعنى : وقد مكروا مكرهم ، وعند الله مكرهم ، وإن مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها ، لو كان لها أن تزول أو تنقلع.
وعلى هذه القراءة يكون المراد بهذه الجملة الكريمة التعظيم والتهويل من شأن مكرهم ، وأنه أمر شنيع أو شديد في بابه ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ، وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ. وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ..) تفريع على ما تقدم من قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ..) وتأكيد لتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم ولتثبيت يقينه.
وقوله «مخلف» اسم فاعل من الإخلاف ، بمعنى عدم الوفاء بالوعد وهو مفعول ثان لتحسب والمراد بالوعد هنا : ما وعد الله ـ تعالى ـ به أنبياءه ورسله من نصره إياهم ، ومن جعل العاقبة لهم.
قال ـ تعالى ـ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٢).
وقال ـ تعالى ـ (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٣).
والمعنى : لقد وعدناك ـ أيها الرسول الكريم ـ بعذاب الظالمين ، وأخبرناك بجانب من العذاب الذي يحل بهم يوم القيامة ، وما دام الأمر كذلك فاثبت على الحق أنت وأتباعك ، وثق بأن الله ـ تعالى ـ لن يخلف ما وعدك به من نصر على أعدائك.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : مخلف رسله وعده ، ولم قدم المفعول الثاني
__________________
(١) سورة مريم الآيات ٨٨ ـ ٩٠.
(٢) سورة غافر الآية ٥١.
(٣) سورة المجادلة الآية ٢١.