فامتنع ، (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ...) تقول المرأة : ولست أبرئ نفسي ، فإن النفس تتحدث وتتمنى ، ولهذا راودته لأنها أمارة بالسوء.
(إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) أى : من عصمه الله ـ تعالى ـ ...
ثم قال : «وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام. لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ، ولم يكن يوسف ـ عليهالسلام ـ عندهم ، بل بعد ذلك أحضره الملك» (١).
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن القسم الأول من حياة يوسف ـ عليهالسلام ـ القسم الذي تعرض خلاله لألوان من المحن والآلام ، بعضها من إخوته ، وبعضها من امرأة العزيز ، وبعضها من السجن ومرارته ...
ثم بدأت بعد ذلك في الحديث عن الجانب الثاني من حياته عليهالسلام.
وهو جانب الرخاء والعز والتمكين في حياته ، فقال ـ تعالى ـ : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ...).
وفي الكلام إيجاز بالحذف ، والتقدير : وبعد أن انكشفت للملك براءة يوسف ـ عليهالسلام ـ انكشافا تاما ، بسبب ما سمعه عنه من النسوة ومن امرأة العزيز ، وبعد أن سمع تفسيره للرؤيا وأعجب به ، كما أعجب بسمو نفسه وإبائه ...
بعد كل ذلك قال الملك لخاصته : ائتوني بيوسف هذا ، ليكون خالصا لنفسي ، وخاصا بي في تصريف أمورى ، وكتمان أسرارى ، وتسيير دفة الحكم في مملكتي.
والسين والتاء في قوله «أستخلصه» للمبالغة في الخلوص له ، فهما للطلب كما في استجاب ، والاستخلاص طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة.
فكأن الملك قد شبه يوسف ـ عليهالسلام ـ بالشيء النفيس النادر ، الذي يجب أن يستأثر به الملك دون أن يشاركه فيه أحد سواه.
والفاء في قوله «فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين» معطوفة على محذوف يفهم من السياق.
والضمير المنصوب في «كلّمه» يعود على الملك ـ على الراجح ـ.
والمراد باليوم : الزمان الذي حدث فيه التخاطب بين الملك ويوسف.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٢٠.