وقولهم هذا إنما هو اعتذار عن جهلهم ، بمعرفة تفسير رؤيا الملك ، ويبدو أن الملك كان يتوقع منهم هذا الجهل ، كما يشعر به قوله ـ تعالى ـ (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) فقد أتى بإن المفيدة للشك.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : ما هو إلا حلم واحد فلما ذا قالوا أضغاث أحلام فجمعوا!؟.
قلت : هو كما تقول فلان يركب الخيل ، ويلبس عمائم الخز ، لمن لا يركب إلا فرسا واحدا وماله إلا عمامة فردة ، تزيدا في الوصف ، فهؤلاء أيضا تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان فجعلوه أضغاث أحلام ويجوز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا سواها» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حدث بعد أن عجز الملأ من قوم الملك عن تأويل رؤياه فقال : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) أى : وقال أحد الرجلين اللذين كانا مع يوسف في السجن ثم خرج منه بريئا وهو ساقى الملك.
(وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) : وتذكر بعد حين طويل من الزمان كيف فسر له يوسف رؤياه تفسيرا صادقا أيام أن كان معه في السجن.
وأصل «ادكر» اذتكر بوزن افتعل ، مأخوذ من الذكر ـ بتشديد الذال وضمها ـ قلبت تاء الافتعال دالا لثقلها ولتقارب مخرجيهما ، ثم قلبت الذال دالا ليتأتى إدغامها في الدال ، لأنها أخف من الذال.
والأمة : الجماعة التي تؤم وتقصد لأمر ما ، والمراد بها هنا : المدة المتطاولة من الزمان وكان هذا الساقي قد نسى ما أوصاه به يوسف من قوله «اذكرني عند ربك» فلما قال الملك ما قاله بشأن رؤياه ، تذكر هذا الساقي حال يوسف.
قالوا : وكان ذلك بعد سنتين من خروجه من السجن.
وقوله (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) أى : قال الساقي للملك وحاشيته : أنا أخبركم بتأويله : بتفسير رؤيا الملك التي خفى تفسيرها على الملأ من قومه. فأرسلون ، أى : فابعثونى إلى من عنده العلم الصحيح الصادق بتفسيرها.
ولم يذكر لهم اسم المرسل إليه ، وهو يوسف ـ عليهالسلام ـ لأنه أراد أن يفاجئهم بخبره بعد حصول تأويله للرؤيا ، فيكون ذلك أوقع في قلوبهم ، وأسمى لشأن يوسف ـ عليهالسلام ـ.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢٤.