تأكيد لتوبيخهم وتأنيبهم بعد أن نزل بهم العذاب ، وهو معطوف على لفظ «قيل» المقدر قبل لفظ (آلْآنَ).
أى : قيل لهم : آلآن آمنتم بأن العذاب حقيقة بعد أن كنتم به تستعجلون؟ ثم قيل لهؤلاء الظالمين الذين أصروا على الكفر واقتراف المنكرات : ذوقوا عذاب الخلد أى العذاب الباقي الدائم ، إذ الخلد والخلود مصدر خلد الشيء إذا بقي على حالة واحدة لا يتغير.
والاستفهام في قوله : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) للنفي والإنكار. أى لا تجزون إلا بالجزاء المناسب لما كنتم تكسبونه في الدنيا من كفر بالحق ، وإيذاء للدعاة إليه ، وتكذيب بوحي الله ـ تعالى ـ.
ثم قال ـ سبحانه ـ (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) النبأ : كما يقول الراغب. خبر ذو فائدة عظيمة ، يحصل به علم أو غلبة ظن (١).
والاستنباء : طلب الأخبار الهامة.
أى : إن هؤلاء الضالين يطلبون منك ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل التهكم والاستهزاء ، أن تخبرهم عن هذا العذاب الذي توعدتهم به ، أهو واقع بهم على سبيل الحقيقة ، أم هو غير واقع ولكنك تحدثهم عنه على سبيل الإرهاب والتهديد؟
وقوله : (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) إرشاد من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم إلى الجواب الذي يرد به عليهم.
ولفظ (إِي) بكسر الهمزة وسكون الياء ـ حرف جواب وتصديق بمعنى نعم ، إلا أنه لا يستعمل إلا مع القسم.
أى : قل لهم يا محمد : نعم وحق ربي إن العذاب الذي أخبرتكم به لا محيص لكم عنه وما أنتم بمعجزى الله ـ تعالى ـ إذا أراد أن ينزله بكم في أى وقت يريده ، بل أنتم في قبضته وتحت سلطانه وملكه ، فاتقوا الله ، بأن تخلصوا له العبادة ، وتتبعوا رسوله صلىاللهعليهوسلم فيما جاءكم به من عنده ـ سبحانه ـ.
وقد أكد سبحانه ـ الجواب عليهم بأتم وجوه التأكيد ، لأنهم كانوا قوما ينكرون أشد الإنكار أن يكون هناك عذاب وحساب وبعث وجنة ونار.
قال ابن كثير : «وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان ، يأمر الله ـ تعالى ـ رسوله فيهما أن يقسم به على من أنكر المعاد ، أما الآية الأولى فهي قوله
__________________
(١) المفردات في غريب القرآن ص ٤٨١.