الصقر المحكم البنية ، والمجدل ـ كمنبر القصر المحكم البناء ...
وسميت المنازعة في الرأى جدالا ، لأن كل واحد من المتجادلين كأنما ، يفتل الآخر عن رأيه ـ أى بصرفه عنه ـ ...
وقيل : الأصل في الجدال الصراع ، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة ـ بفتح الجيم ـ أى : الأرض الصلبة» (١).
ثم أضافوا إلى هذا العجز عن مجابهة الحجة سفاهة في القول فقالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
أى : لقد سئمنا مجادلتك لنا ومللناها ، فأتنا بالعذاب الذي تتوعدنا به ، إن كنت من الصادقين في دعواك النبوة ، وفي وعيدك لنا بعقاب الله ، فإننا مصرون على عبادة آلهتنا ، وكارهون لما تدعونا إليه.
وهذا شأن الجاهل المعاند ، إنه يشهر السيف إذا أعجزته الحجة ، ويعلن التحدي إذا يئس عن مواجهة الحق ...
ولكن نوحا ـ عليهالسلام ـ لم يخرجه هذا التحدي عن سمته الكريم ، ولم يقعده عناد قومه عن مداومة النصح لهم ، وإرشادهم إلى الحقيقة التي ضلوا عنها ، فقد رد عليهم بقوله (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ ـ إِنْ شاءَ ـ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).
أى : إنما يأتيكم بهذا العذاب الذي تستعجلونه الله ـ تعالى ـ وحده ، إن شاء ذلك ، لأنه هو الذي يملكه (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أى : وما أنتم بمستطيعين الهروب من عذابه متى اقتضت مشيئته ـ سبحانه ـ إنزاله لكم ، لأنه ـ تعالى ـ لا يعجزه شيء.
ثم أضاف إلى هذا الاعتراف بقدرة الله ـ تعالى ـ اعترافا آخر بشمول إرادته فقال : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ).
والنصح معناه : تحرى الصلاح والخير للمنصوح مع إخلاص النية من شوائب الرياء.
يقال : نصحته ونصحت له ... أى : أرشدته إلى ما فيه صلاحه.
ويقال : رجل ناصح الجيب إذا كان نقى القلب طاهر السريرة. والناصح الخالص من كل شيء.
أى : إنى قد دعوتكم إلى طاعة الله ليلا ونهارا ، ولم أقصر معكم في النصيحة ومع ذلك فإن
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ٤١.