وقوله : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) أى : ويقطعون كل ما أوجب الله ـ تعالى ـ وصله ، ويدخل فيه وصل الرسول صلىاللهعليهوسلم بالاتباع والموالاة ، ووصل المؤمنين بالمعاونة ، والمحبة ، ووصل أولى الأرحام بالمودة والتعاطف ، فالجملة الكريمة بيان لحال هؤلاء الأشقياء بأنهم كانوا على الضد من أولئك الأوفياء الأخيار الذين كانوا يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
وقوله : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بيان لصفة ثالثة من صفاتهم القبيحة.
أى : أنهم كانوا يفسدون في الأرض عن طريق حربهم لدعوة الحق ، واعتدائهم على المؤمنين ، وغير ذلك من الأمور التي كانوا يقترفونها مع أن الله ـ تعالى ـ قد حرمها ونهى عنها.
وقوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) إخبار عن العذاب الشديد الذي يلقونه في آخرتهم. أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات الذميمة (لَهُمُ) من الله ـ تعالى ـ «اللعنة» والطرد من رحمته.
(وَلَهُمْ) فوق ذلك ، الدار السيئة وهي جهنم التي ليس فيها إلا ما يسوء الصائر إليها.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن الغنى والفقر بيده ، وأن العطاء والمنع بأمره فقال ـ تعالى ـ : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ...). وبسط الرزق كناية عن سعته ووفرته وكثرته. ومعنى : «يقدر» يضيق ويقلل.
قال الإمام الشوكانى : «لما ذكر ـ سبحانه ـ عاقبة المشركين بقوله (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) كان لقائل أن يقول : قد نرى كثيرا منهم قد وفر الله له في الرزق وبسط له فيه. فأجاب ـ سبحانه ـ عن ذلك : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) فقد يبسط الرزق لمن كان كافرا ، ويقتره على من كن مؤمنا ابتلاء وامتحانا ، ولا يدل البسط على الكرامة ، ولا القبض على الإهانة ...» (١).
أى : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من خلقه ، وهو وحده ـ أيضا ـ الذي يضيقه على من يشاء منهم لحكم هو يعلمها ، ولا تعلق لذلك بالكفر أو الإيمان ، فقد يوسع على الكافر استدراجا له ، وقد يضيق على المؤمن امتحانا له ، أو زيادة في أجره.
__________________
(١) تفسير (فتح القدير) للإمام الشوكانى ج ٣ ص ٨٠.