ـ تعالى ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ..) (١) وأما الآية الثانية فهي قوله ـ تعالى ـ : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ..) (٢).
وجملة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) إما معطوفة على جواب القسم ، أو مستأنفة سبقت لبيان عجزهم عن الخلاص ، وتأكيد وقوع العذاب عليهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم من العذاب عند وقوعه فقال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ).
أى : ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها ، جميع ما في الأرض من مال ومتاع ، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة ، لقدمته سريعا دون أن تبقى منه شيئا حتى تفتدى ذاتها من العذاب المهين.
ومفعول (لَافْتَدَتْ) محذوف. أى لافتدت نفسها به.
ولو هنا امتناعية ، أى : امتنع افتداء كل نفس ظالمة ، لامتناع ملكها لما تفدى به ذاتها وهو جميع ما في الأرض من أموال ، ولامتناع قبول ذلك منها فيما لو ملكته على سبيل الفرض.
وقوله (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) بيان لما انتابهم من حسرات عند مشاهدتهم لأهوال العذاب المعد لهم.
و (أَسَرُّوا) من الإسرار بمعنى الإخفاء والكتمان. يقال : أسر فلان الحديث. أى : خفض صوته به ، ويقابله الإعلان والجهر ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
والندامة والندم : ما يجده الإنسان في نفسه من آلام وحسرات على أقوال أو أفعال سيئة ، فات أوان تداركها.
أى : وأخفى هؤلاء الظالمون الندامة حين رأوا بأبصارهم مقدمات العذاب ، وحين أيقنوا أنهم لا نجاة لهم منه ، ولا مصرف لهم عنه.
قال صاحب الكشاف : «قوله ـ سبحانه ـ (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ، ولم يخطر ببالهم ، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ، ما سلبهم قواهم ، وبهرهم ، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع ، سوى إسرار الندم
__________________
(١) سورة سبأ الآية ٣.
(٢) سورة التغابن الآية ٧.