(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ، إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ...) والمراد بالشيطان هنا : إبليس ـ لعنه الله ـ.
قال الفخر الرازي : «وأما الشيطان فالمراد به إبليس لأن لفظ الشيطان مفرد فيتناول الواحد ، وإبليس رأس الشياطين ورئيسهم ، فحمل اللفظ عليه أولى. ولا سيما وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا جمع الله الخلق وقضى بينهم ، يقول الكافر : قد وجد المسلمون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ، ما هو إلا إبليس ، فهو الذي أضلنا ، فيأتونه ويسألونه فعند ذلك يقول هذا القول ..» (١).
والمراد بقوله ـ سبحانه ـ (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أى : حين تم الحساب ، وعرف أهل الجنة ثوابهم ، وعرف أهل النار مصيرهم ، كل فريق في المكان الذي أعده الله تعالى له.
والمقصود من حكاية ما يقوله الشيطان للكافرين في هذا اليوم. تحذير المؤمنين من وسوسته وإغوائه ، حتى ينجوا من العذاب الذي يحل بأتباعه يوم القيامة.
والمراد بالحق في قوله (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) : الصدق والوفاء بما وعدكم به على ألسنة رسله.
والمراد بالإخلاف في قوله (وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) الكذب والغدر وعدم الوفاء بما مناهم به ، من أمانى باطلة.
قال ـ تعالى ـ : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (٢). وإضافة الوعد إلى الحق من إضافة الموصوف إلى الصفة أى إن الله ـ تعالى ـ وعدكم الوعد الحق الذي لا نقض له ، وهو أن الجزاء حق ، والبعث حق ، والجنة حق ، والنار حق ، ووعدتكم وعدا باطلا بأنه لا بعث ولا حساب .. فأخلفتكم ما وعدتكم به ، وظهر كذبى فيما قلته لكم. ثم أضاف إلى ذلك قوله ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) ...
والسلطان : اسم مصدر بمعنى التسلط والقهر والغلبة.
أى : وما كان لي فيما وعدتكم به من تسلط عليكم ، أو إجبار لكم ، لكني دعوتكم إلى ما دعوتكم إليه من باطل وغواية ، فانقدتم لدعوتى واستجبتم لوسوستى عن طواعية واختيار.
فالاستثناء في قوله «إلا أن دعوتكم» استثناء منقطع ، لأن ما بعد حرف الاستثناء ليس من جنس ما قبله ، وبعضهم يرى أن الاستثناء متصل.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ١١٠
(٢) سورة النساء الآية ١٢٠.