وعبر عن العذاب بأمر الله ، تهويلا لشأنه.
وقوله : (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) بيان للعاقبة السيئة التي آل إليها أمر الابن الكافر.
أى : وحال وفصل الموج بهديره وسرعته بين الابن وأبيه ، فكانت النتيجة أن صار الابن الكافر من بين الكافرين المغرقين.
والتعبير بقوله : (وَحالَ ...) يشعر بسرعة فيضان الماء واشتداده ، حتى لكأن هذه السرعة لم تمهلهما ليكملا حديثهما.
والتعبير بقوله : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) يشير إلى أنه لم يغرق وحده ، وإنما غرق هو وغرق معه كل من كان على شاكلته في الكفر.
وهكذا تصور لنا هذه الآية الكريمة ما دار بين نوح وابنه من محاورات في تلك اللحظات الحاسمة المؤثرة ، التي يبذل فيها كل أب ما يستطيع بذله من جهود لنجاة ابنه من هذا المصير المؤلم.
وبعد أن غرق الكافرون ، ونجا نوح ومن معه من المؤمنين ، وجه الله ـ تعالى ـ أمره إلى الأرض وإلى السماء .. فقال : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
أى : وبعد أن أدى الطوفان وظيفته فأغرق بأمر الله ـ تعالى ـ الكافرين ، قال الله ـ تعالى ـ للأرض : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ).
أى : اشربى أيتها الأرض ما على وجهك من ماء ، وابتلعيه بسرعة في باطنك كما يبتلع الإنسان طعامه في بطنه بدون استقرار في الفم.
وقال ـ سبحانه ـ للسماء (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أى : أمسكى عن إرسال المطر يقال :
أقلع فلان عن فعله إقلاعا ، إذا كف عنه وترك فعله. ويقال : أقلعت الحمى عن فلان ، إذا تركته.
فامتثلتا ـ أى الأرض والسماء ـ لأمر الله ـ تعالى ـ في الحال ، فهو القائل وقوله الحق : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
وقوله (وَغِيضَ الْماءُ) أى : نقص ونضب. يقال : غاض الماء يغيض ، إذا قل ونقص.
__________________
(١) سورة يس الآية ٨٢.