والمراد به هنا : الماء الذي نشأ عن الطرفان.
وقوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أى : تم ونفذ ما وعد الله ـ تعالى ـ به نبيه نوحا ـ عليهالسلام ـ من إهلاكه للقوم الظالمين.
والضمير في قوله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) للسفينة ، والجودي ، جيل بشمال العراق بالقرب من مدينة الموصل. وقيل هو جبل بالشام.
أى : واستقرت السفينة التي تحمل نوحا والمؤمنين بدعوته ، على الجبل المعروف بهذا الاسم ، بعد أن أهلك الله أعداءهم.
قال ابن كثير ما ملخصه : وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم ، فقد روى الإمام أحمد عن أبى هريرة قال : مر النبي صلىاللهعليهوسلم بأناس من اليهود ، وقد صاموا يوم عاشوراء ، فقال لهم : ما هذا الصوم؟ قالوا ، هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبنى إسرائيل من الغرق ، وغرق فيه فرعون. وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي. فصامه نوح وموسى ـ عليهالسلام ـ شكرا لله.
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «أنا أحق بموسى ، وأحق بصوم هذا اليوم». فصامه ، وقال لأصحابه : من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ، ومن كان قد أصاب من غذاء أهله ، فليتم بقية يومه» (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : وقيل بعدا للقوم الظالمين.
أى : هلاكا وسحقا وطردا من رحمة الله ـ تعالى ـ للقوم الذين ظلموا أنفسهم بإيثارهم الكفر على الإيمان ، والضلالة على الهداية.
قال الجمل : و (بُعْداً) مصدر بعد ـ بكسر العين ـ ، يقال بعد بعدا ـ بضم فسكون ـ وبعدا ـ بفتحتين ـ إذا بعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده ، ثم استعير للهلاك ، وخص بدعاء السوء ، وهو منصوب على المصدر بفعل مقدر. أى : وقيل بعدا بعدا ...» (٢).
هذا وقد تكلم بعض العلماء عن أوجه البلاغة والفصاحة في هذه الآية كلاما طويلا ، نكتفي بذكر جانب مما قاله في ذلك الشيخ القاسمى في تفسيره.
قال ـ رحمهالله ـ ما ملخصه : «هذه الآية بلغت من أسرار الإعجاز غايتها ، وحوت من بدائع الفوائد نهايتها. وقد اهتم علماء البيان بإبراز ذلك ، ومن أوسعهم مجالا في مضمار معارفها
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٥٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٠٠.