(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ..).
أى : وحين جاء أمرنا بعذابهم ، وحل أوان هذا العذاب ، نجينا نبينا شعيبا ونجينا الذين آمنوا به وصدقوه ، حالة كونهم مصحوبين برحمة عظيمة كائنة منا لا من غيرنا.
(وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) من قومه (الصَّيْحَةُ) التي زلزلتهم وأهلكتهم (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ) التي كانوا يسكنونها.
(جاثِمِينَ) أى : هامدين ميتين لا تحس لهم حركة ، ولا تسمع لهم ركزا ...
من الجثوم وهو للناس والطير بمنزلة البروك للإبل ، يقال ، جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم إذا وقع على صدره ولزم مكانه فلم يبرحه.
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أى : كأن هؤلاء الهلكى من قوم شعيب ، لم يعيشوا في ديارهم قبل ذلك عيشة ملؤها الرغد والرخاء والأمان ...
يقال : غنى فلان بالمكان ، إذا أقام به وعاش فيه في نعمة ورغد ...
(أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) أى : ألا هلاكا مصحوبا بالخزي واللعنة والطرد من رحمة الله لقبيلة مدين ، كما هلكت من قبلهم قبيلة ثمود.
وهكذا طويت صفحة أخرى من صفحات الظالمين وهم قوم شعيب ... عليهالسلام ـ كما طويت من قبلهم صفحات قوم نوح وهود وصالح ولوط ـ عليهمالسلام ـ.
هذا ، ومن أهم العبر والعظات التي تتجلى واضحة في قصة شعيب مع قومه كما جاءت في هذه السورة الكريمة :
أن الداعي إلى الله لكي ينجح في دعوته ، عليه أن ينوع خطابه للمدعوين ، بحيث يشتمل توجيهه على الترغيب والترهيب ، وعلى الأسباب وما تؤدى إليه من نتائج ، وعلى ما يقنع العقل ويقنع العاطفة ...
ففي هذه القصة نجد شعيبا ـ عليهالسلام ـ يبدأ دعوته بأمر قومه بعبادة الله ـ تعالى ـ ، ثم ينهاهم عن أبرز الرذائل التي كانت منتشرة وهي نقص المكيال والميزان ، ثم يبين لهم الأسباب التي حملته على ذلك : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ).
ثم ينهاهم نهيا عاما عن الإفساد في الأرض (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
ثم يرشدهم إلى أن الرزق الحلال مع الإيمان والاستقامة ، خير لهم من التشبع بزينة الحياة الدنيا بدون تمييز بين ما هو صالح وما هو طالح : وبقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ..».