ثم حذرهم من مقابلة نعم الله بالكفر والجحود فقال : (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.) والتولي : هو الإعراض عن الشيء بإصرار وعناد.
أى : ولا تتولوا عما دعوتكم إليه وأنتم مصرون على ما أنتم عليه من إجرام وجحود وعناد.
وإلى هنا يكون هود ـ عليهالسلام ـ قد وضح لقومه دعوته ، ورغبهم في الاستجابة لها ، وحذرهم من الإعراض عنها ، وناداهم بلفظ ـ يا قوم ـ ثلاث مرات ، توددا إليهم ، وتذكيرا لهم بآصرة القرابة التي تجمعهم وإياه. لعل ذلك يستثير مشاعرهم ، ويحقق اطمئنانهم إليه ، فإن الرائد لا يكذب أهله.
ولكن قوم هود ـ عليهالسلام ـ قابلوا كل ذلك بالتطاول عليه ، والسخرية منه فقالوا : (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ..).
والبينة : ما يتبين به الحق من الباطل. أى : قالوا له يا هود إنك لم تجئنا بحجة تقنعنا بأنك على الحق فيما تدعو إليه ، وترضى نفوسنا وطباعنا وعاداتنا.
ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ).
أى : وما نحن بتاركي آلهتنا بسبب قولك لنا الخالي عن الدليل : اتركوا عبادتها واجعلوا عبادتكم لله وحده.
ثم أكدوا إصرارهم على كفرهم بقولهم (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أى : بمستجيبين لك ومصدقين.
ثم أضافوا إلى إصرارهم هذا استخفافا به وبما يدعو إليه فقالوا : «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ...».
ومعنى اعتراك : أصابك ومسك. يقال عراه الأمر واعتراه أى أصابه ، وأصله من قولهم : عراه يعروه ، أى : غشيه وأصابه. ومنه قول الشاعر :
وإنى لتعرونى لذكراك هزة ... أى : تصيبني.
أى : ما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ، وما نحن لك بمتبعين ، بل عليك أن تيأس يأسا تاما من استجابتنا لك ، وحالتك التي نراها بأعيننا تجعلنا نقول لك : إن سبك لآلهتنا جعل بعضها ـ لا كلها ـ يتسلط عليك ، ويوجه قدرته نحوك ، فيصيبك بالجنون والهذيان والأمراض.
ولم يقولوا : «اعتراك آلهتنا بسوء» بل قالوا : (بَعْضُ آلِهَتِنا) تهديدا له وإشارة إلى