والفاء في قوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..) للتفريع.
أى : ما دمت قد وقفت على حقيقة الحال ، فلا تلتمس منى ملتمسا لا تعلم على وجه اليقين ، أصواب هو أم غير صواب ، بل عليك أن تتثبت من صحة ما تطلبه ، قبل أن تقدم على طلبه.
وجملة (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) تأكيد لما قبلها ، ونهى له عن مثل هذا السؤال في المستقبل ، بعد أن أعلمه بحقيقة حال ابنه.
أى : إنى أنهاك يا نوح عن أن تكون من القوم الجاهلين ، الذين يسألون عن أشياء لا يتحققون وجه الصواب فيها.
وهنا بين الله ـ تعالى ـ أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قد تنبه إلى ما أرشده إليه ربه ، فبادر بطلب العفو والصفح منه ـ سبحانه ـ فقال : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ..).
أى : قال نوح ـ عليهالسلام ـ ملتمسا الصفح من ربه : رب إنى أستجير بك ، وأحتمى بجنابك من أن أسألك شيئا بعد الآن ، ليس عندي علم صحيح بأنه جائز ولائق (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) ما فرط منى من قول ، وما صدر عنى من فعل.
(وَتَرْحَمْنِي) برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء.
(أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا أنفسهم بالاحتجاب عن علمك وحكمتك. ثم بشر ـ سبحانه ـ نبيه نوحا ـ عليهالسلام ـ بقبول توبته فقال : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا ، وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ..).
والسلام : التحية المقرونة بالأمان والاطمئنان ، وأصله السلامة ، والباء فيه للمصاحبة والبركات. جمع بركة وهي ثبوت الخير ونماؤه وزيادته ، واشتقاقها من البرك ، وهو صدر البعير. يقال : برك البعير إذا ألقى بركه أى صدره على الأرض وثبت. ومنه البركة لثبوت الماء فيها.
والأمم : جمع أمة ، وهي الجماعة الكثيرة من الناس ، يجمعها نسب واحد أو لغة واحدة ، أو موطن واحد.
أى : قال الله ـ تعالى ـ مبشرا نوحا ـ عليهالسلام ـ بقبول توبته : يا نوح اهبط من السفينة مصحوبا منا بالأمان مما تكره ، وبالخيرات النامية والنعم الثابتة عليك ، وعلى أمم متشعبة ومتفرعة وناشئة من الأمم المؤمنة التي ستهبط معك ، بعد أن أنجاكم الله ـ تعالى ـ