هذا (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) لأن مدار الأهلية مبنى على القرابة الدينية ، وقد انقطعت بالكفر ، فلا علاقة بين مسلم وكافر.
أو ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم ، بل هو ممن سبق عليه القول بسبب كفره.
فالمراد نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده ، وليس المراد نفى أن يكون من صلبه ، لأن ظاهر الآية يدل على أنه ابنه من صلبه ، ومن قال بغير ذلك فقوله ساقط ولا يلتفت إليه ، لخلوه عن الدليل.
قال ابن كثير : وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلا أنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن زنية.
وقال ابن عباس وغير واحد من السلف : ما زنت امرأة نبي قط ، ثم قال : وقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أى : الذين وعدتك بنجاتهم.
وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ؛ فإن الله ـ تعالى ـ أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة (١).
وجملة (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) تعليل لنفى الأهلية.
وقد قرأ الجمهور (عمل) بفتح الميم وتنوين اللام ـ على أنه مصدر مبالغة في ذمه حتى لكأنه هو نفس العمل غير الصالح وأصل الكلام إنه ذو عمل غير صالح ، فحذف المضاف للمبالغة بجعله عين عمله الفاسد لمداومته عليه.
وقرأ الكسائي ويعقوب (عَمَلٌ) بوزن فرح بصيغة الفعل الماضي ـ أى : إنه عمل عملا غير صالح وهو الكفر والعصيان ، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه.
قال صاحب الكشاف وقوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) تعليل لانتفاء كونه من أهله.
وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب ، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد في المنصب وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك ، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك (٢).
وقال الفخر الرازي : هذه الآية تدل على أن العبرة بقرابة الدين لا بقرابة النسب ، فإن في هذه الصورة كانت قرابة النسب حاصلة من أقوى الوجوه ، ولكن لما انتفت قرابة الدين ، لا جرم نفاه الله ـ تعالى ـ بأبلغ الألفاظ وهو : قوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٥٩.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٧٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٣.