وعيده وعقابه لا تكل كل أحد» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ لونا آخر من رذائلهم ، وهو عدم اعتدادهم بالقرآن الكريم ، الذي هو أعظم الآيات والمعجزات فقال ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...).
و (لَوْ لا) هنا حرف تحضيض بمعنى هلا.
ومرادهم بالآية : معجزة كونية كالتي جاء بها موسى من إلقائه العصى فإذا هي حية تسعى ، أو كالتي جاء بها عيسى من إبرائه الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله ، أو كما يقترحون هم من جعل جبل الصفا ذهبا ...
لأن القرآن ـ في زعمهم ـ ليس كافيا لكونه معجزة دالة على صدقه صلىاللهعليهوسلم.
أى : ويقول هؤلاء الكافرون الذين عموا وصموا عن الحق واستعجلوا العذاب. هلا أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم آية أخرى غير القرآن الكريم تدل على صدقه.
ولقد حكى القرآن مطالبهم المتعنتة في آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ...) (٢).
وقد رد الله ـ تعالى ـ عليهم ببيان وظيفة النبي صلىاللهعليهوسلم فقال (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ...).
أى : أن وظيفتك ـ أيها الرسول الكريم ـ هي إنذار هؤلاء الجاحدين بسوء المصير ، إذا ما لجوا في طغيانهم ، وأصروا على كفرهم وعنادهم وليس من وظيفتك الإتيان بالخوارق التي طلبوها منك.
وإنما قصر ـ سبحانه ـ هنا وظيفة النبي صلىاللهعليهوسلم على الإنذار ، لأنه هو المناسب لأحوال المشركين الذين أنكروا كون القرآن معجزة.
وقوله (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أى : ولكل قوم نبي يهديهم إلى الحق والرشاد بالوسيلة التي يراها مناسبة لأحوالهم ، وأنا ـ أيها الرسول الكريم ـ قد جئتهم بهذا القرآن الهادي للتي هي أقوم. والذي هو خير وسيلة لإرشاد الناس إلى ما يسعدهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.
قال الشيخ القاسمى : «أو المعنى : ولكل قوم هاد عظيم الشأن ، قادر على هدايتهم. هو
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٥٥.
(٢) سورة الإسراء الآيات ٩٠ وما بعدها.