قميصه على وجه أبيه يؤدى إلى ارتداد بصره إليه كاملا ، وهذا من باب خرق العادة بالنسبة لهذين النبيين الكريمين.
واستجاب الإخوة لتوجيه يوسف ، فأخذوا قميصه وعادوا إلى أوطانهم ويصور القرآن ما حدث فيقول : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ).
و «فصلت العير» أى خرجت من مكان إلى مكان آخر. يقال : فصل فلان من بلده كذا فصولا ، إذا جاوز حدودها إلى حدود بلدة أخرى.
و «تفندون» من الفند وهو ضعف العقل بسبب المرض والتقدم في السن.
والمعنى : وحين غادرت الإبل التي تحمل إخوة يوسف حدود مصر ، وأخذت طريقها إلى الأرض التي يسكنها يعقوب وبنوه ، قال يعقوب ـ عليهالسلام ـ لمن كان جالسا معه من أهله وأقاربه ، استمعوا إلى «إنى لأجد ريح يوسف».
أى : رائحته التي تدل عليه ، وتشير إلى قرب لقائي به.
و «لولا» أن تنسبونى إلى الفند وضعف العقل لصدقتمونى فيما قلت ، أو لولا أن تنسبونى إلى ذلك لقلت لكم إنى أشعر أن لقائي بيوسف قد اقترب وقته وحان زمانه.
فجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه.
وقد أشم الله ـ تعالى ـ يعقوب ـ عليهالسلام ـ ما عبق من القميص من رائحة يوسف من مسيرة أيام ، وهي معجزة ظاهرة له ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقال الإمام مالك ـ رحمهالله ـ أوصل الله ـ تعالى ـ ريح قميص يوسف ليعقوب ، كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه.
ولكن المحيطين بيعقوب الذين قال لهم هذا القول ، لم يشموا ما شمه ، ولم يجدوا ما وجده ، فردوا عليه بقولهم : (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ).
قالوا له على سبيل التسلية : إنك يا يعقوب ما زلت غارقا في خطئك القديم الذي لا تريد أن يفارقك. وهو حبك ليوسف وأملك في لقائه والإكثار من ذكره.
وتحقق ما وجده يعقوب من رائحة يوسف ... وحل أوان المفاجأة التي حكاها القرآن في قوله (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ، قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
أى : وحين اقترب أبناء يعقوب من دار أبيهم ، تقدم البشير الذي يحمل قميص يوسف إلى