فالجملة الكريمة تدل على اطمئنانهم إلى سلامة مواقفهم في تفويض أمورهم إلى الله ، وإلى رعاية الله ـ تعالى ـ حيث هداهم إلى طريق النجاة والسعادة.
ثم أضافوا إلى ذلك تيئيس أعدائهم من التأثر بأذاهم ، فقالوا (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا).
أى : والله لنصبرن صبرا جميلا في حاضرنا ومستقبلنا ـ كما صبرنا في ماضينا ـ على إيذائكم لنا. والذي من مظاهره : عصيانكم لأقوالنا ، ونفوركم من نصحنا ، واستهزاؤكم بنا ، ومحاربتكم لنا ..
ثم ختموا أقوالهم بتأكيد تصميمهم على الثبات في وجه الباطل فقالوا (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
أى : وعلى الله وحده دون أحد سواه ، فليثبت المتوكلون على توكلهم. وليفوضوا أمورهم إلى خالقهم ، فهو القاهر فوق عباده ، وهو الذي لا يعجزه شيء.
وتقديم الجار والمجرور في الجملة الكريمة وفيما يشبهها مؤذن بالحصر ، وأن هؤلاء الرسل الكرام لا يرجون نصرا من غير الله ـ تعالى ـ.
وبهذا نرى أن الآيات الكريمة ، قد حكت لنا بأسلوب مؤثر حكيم ، جانبا من المحاورات التي دارت بين الرسل وبين مكذبيهم ، وبينت لنا كيف دافع الرسل عن عقيدتهم ، وكيف ردوا على الأقوال السيئة ، والأفعال القبيحة ، التي واجههم بها المكذبون ، وكيف أعلنوا في قوة وعزم وإصرار ثباتهم في وجوه أعدائهم ، ومقابلتهم الأذى بالصبر الذي لا جزع معه ، مهما صنع الأعداء في طريقهم من عقبات ، ومهما أثاروا من أباطيل وشبهات ...
ثم حكت السورة بعد ذلك جانبا آخر من تلك المحاورات التي دارت بين الرسل وبين أعدائهم ، وجانبا مما وعد الله به رسله ـ عليهمالسلام ـ وجانبا من العذاب الذي أعده للظالمين فقال ـ تعالى ـ :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا