أى : اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل في أرض الله الواسعة ؛ ومن رزقه الذي تكفل به لكل دابة ، واحذروا أن تمسوها بشيء من السوء مهما كان قليلا ، فإنكم لو فعلتم ذلك عرضتم أنفسكم لعذاب الله العاجل القريب.
والتعبير بقوله (فَيَأْخُذَكُمْ) بفاء التعقيب وبلفظ الأخذ ، يفيد سرعة الأخذ وشدته ، لأن أخذه ـ سبحانه ـ أليم شديد.
ولكن قوم صالح ـ عليهالسلام ـ لم يستمعوا إلى تحذيره ، بل قابلوه بالطغيان والعصيان ، (فَعَقَرُوها) أى : فعقروا الناقة (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١).
والفاء معطوفة على محذوف : أى فخالفوا ما نهاهم عنه نبيهم فعقروها أى نحروها وأصل العقر : قطع عرقوب البعير ، ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقله ثم ينحره فقال لهم صالح ـ عليهالسلام ـ بعد عقرها (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
والتمتع : الانتفاع بالمتاع ، وهو اسم لما يحتاج إليه الإنسان في هذه الحياة من مأكل ومشرب وغيرهما.
والمراد بدارهم : أماكن سكناهم التي يعيشون فيها.
أى : قال لهم نبيهم بعد نحرهم للناقة : عيشوا في بلدكم هذا ، متمتعين بما فيه من نعم لمدة ثلاثة أيام : فقط ، فهي آخر ما بقي لكم من متاع هذه الدنيا ، ومن أيام حياتكم.
(ذلِكَ) الوعد بنزول العذاب بكم بعد هذه المدة القصيرة.
(وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) فيه لأنه صادر من الله ـ تعالى ـ الذي لا يخلف وعده.
وعبر عن قرب نزول العذاب بهم بالوعد على سبيل التهكم بهم.
قال الجمل : «مكذوب» يجوز أن يكون مصدرا على وزن مفعول ، وقد جاء منه ألفاظ نحو : المجلود والمعقول والمنشور والمغبون ، ويجوز أن يكون اسم مفعول على بابه وفيه تأويلان : أحدهما : غير مكذوب فيه ، ثم حذف حرف الجر فاتصل الضمير مرفوعا مستترا في الصفة ومثله : يوم مشهود. والثاني : أنه جعل هو نفسه غير مكذوب ، لأنه قد وفى به ، وإذا وفي به فقد صدق» (٢).
ولقد تحقق ما توعدهم به نبيهم ، فقد حل بهم العذاب في الوقت الذي حدده لهم ، قال
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٧٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٠٨.