أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) قال : «الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله ـ تعالى ـ» (١).
والمقصود بقوله : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) الإخبار عن خلوص نعيمهم من كل ما يكدر الصفو ، إثر بيان ما أعطاهم من رضوان.
وقوله : (يَرْهَقُ) من الرهق بمعنى الغشيان والتغطية. يقال : رهقه يرهقه رهقا ـ من باب طرب ـ أى غشيه وغطاه بسرعة.
والقتر والقترة : الغبار والدخان الذي فيه سواد والذلة : الهوان والصغار. يقال : ذل فلان يذل ذلة وذلا ، إذا أصابه الصغار والحقارة.
أى : ولا يغطى وجوههم يوم القيامة شيء مما يغطى وجوه الكفار ، من السواد والهوان والصغار.
وهذه الجملة بما اشتملت عليه من المعاني ، توحى بأن في يوم القيامة من الزحام والأهوال والكروب. ما يجعل آثار الحزن أو الفرح ظاهرة على الوجوه والمشاعر ، فهناك وجوه (عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) وهناك وجوه (ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ).
وقوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) تذييل قصد به تأكيد مدحهم ومسرتهم.
أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الكريمة هم أصحاب دار السلام ، وهم خالدون فيها خلودا أبديا ، لا خوف معه ولا زوال.
ثم بين ـ سبحانه ـ مصير الظالمين ، بعد أن بين حسن عاقبة المحسنين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها ، وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ، ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً).
أى : إذا كان جزاء الذين أحسنوا الحسنى وزيادة ، فإن جزاء الذين اجترحوا السيئات ، واقترفوا الموبقات ، سيئات مثل السيئات التي ارتكبوها كما قال ـ تعالى ـ (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).
والمقصود أنهم كما كسبوا السيئات في الدنيا ، فإن الله ـ تعالى ـ يجازيهم عليها في الآخرة بما يستحقون من عذاب ومصير سيئ.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤١٤.