الله. إن ابن جدعان في الجاهلية كان يصل الرحم ، ويطعم المسكين ، هل ذلك نافعه؟ قال : «لا ينفعه ؛ لأنه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» (١).
وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه : «هذا مثل ضربه الله ـ تعالى ـ لأعمال الكفار الذين عبدوا مع الله غيره ، وكذبوا رسله ، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح ، فانهارت وعدموها وهم أحوج ما كانوا إليها ...
كما قال ـ تعالى ـ (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢).
وكما قال ـ تعالى ـ (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا ، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ) (٣).
واسم الإشارة في قوله (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) يعود إلى ما دل عليه التمثيل من بطلان أعمالهم ، وذهاب أثرها.
أى : ذلك الحبوط لأعمالهم ، وعدم انتفاعهم بشيء منها ، هو الضلال البعيد.
أى : البالغ أقصى نهايته ، والذي ينتهى بصاحبه إلى الهلاك والعذاب المهين.
ووصف ـ سبحانه ـ الضلال بالبعد ، لأنه يؤدى إلى خسران لا يمكن تداركه ، ولا يرجى الخلاص منه.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، بعض مظاهر قدرته التي لا يعجزها شيء فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٤).
والخطاب في قوله (أَلَمْ تَرَ ...) لكل من يصلح له بدون تعيين. والاستفهام للتقرير.
والرؤية مستعملة في العلم الناشئ عن النظر والتفكير والتأمل في ملكوت السموات والأرض.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ (أَلَمْ تَرَ ...) هذا التعبير قد يذكر لمن تقدم علمه فيكون للتعجب ، وقد يذكر لمن لا يكون كذلك ، فيكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهر في ذلك حتى أجرى مجرى المثل في هذا الباب ، بأن شبه من لم ير الشيء بحال من رآه في أنه
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٨٣.
(٢) سورة الفرقان الآية ٢٣.
(٣) سورة آل عمران الآية ١١٧.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٦.