فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف هؤلاء الأشقياء بأربع صفات ذميمة.
وصفهم ـ أولا ـ بعدم الرجاء في لقاء الله ـ تعالى ـ بأن صاروا لا يطمعون في ثواب ، ولا يخافون من عقاب ، لإنكار الدار الآخرة.
ووصفهم ـ ثانيا ـ بأنهم رضوا بالحياة الدنيا ، بأن أصبح همهم محصورا فيها ، وفي لذائذها وشهواتها.
قال الإمام الرازي : واعلم أن الصفة الأولى إشارة إلى خلو قلبه عن اللذات الروحانية ، وفراغه عن طلب السعادات الحاصلة بالمعارف الربانية ، وأما هذه الصفة الثانية فهي إشارة إلى من استغرقه الله في طلب اللذات الجسمانية واكتفائه بها ، واستغراقه في طلبها» (١).
ووصفهم ـ ثالثا ـ بأنهم اطمأنوا بهذه الحياة ، اطمئنان الشخص إلى الشيء الذي لا ملاذ له سواه ، فإذا كان السعداء يطمئنون إلى ذكر الله ، فإن هؤلاء الأشقياء ماتت قلوبهم عن كل خير ، وصارت لا تطمئن إلا إلى زينة الحياة الدنيا.
ووصفهم ـ رابعا ـ بالغفلة عن آيات الله التي توقظ القلب ، وتهدى العقل ، ونحفز النفس إلى التفكير والتدبير.
وبالجملة فهذه الصفات الأربع تدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الأشقياء قد آثروا دنياهم على أخراهم ، واستحبوا الضلالة على الهدى ، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فماذا كان مصيرهم كما بينه ـ سبحانه ـ في قوله : (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الخسيسة ، مقرهم وملجؤهم الذي يلجئون إليه النار وبئس القرار ، بسبب ما اجترحوه من سيئات وما اقترفوه من منكرات.
هذه هي صفات هؤلاء الأشقياء ، وذلك هو جزاؤهم العادل ، أما السعداء فقد بين الله ـ تعالى ـ بعد ذلك صفاتهم وثوابهم فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
أى : آمنوا بما يجب الإيمان به ، وعملوا في دنياهم الأعمال الصالحة التي ترفع درجاتهم عند ربهم.
(يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) أى يرشدهم ربهم ويوصلهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح إلى غايتهم وهي الجنة.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٣٩.