جلودهم وألسنتهم وأيديهم فتكون شاهدة عليهم» (١).
هذا ، وفي معنى هذه الآية وردت آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (٢) وقوله ـ تعالى ـ (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٣) ثم بين ـ سبحانه ـ أن من مظاهر رحمته بعباده ، أن جعل لكل أمة رسولا يهديها إلى الحق وإلى الطريق المستقيم فقال ـ تعالى ـ : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
أى : أنه ـ سبحانه ـ اقتضت حكمته ورحمته أن يجعل لكل جماعة من الناس ، رسولا يبلغهم ما أمره الله بتبليغه ، ويشهد عليهم بذلك يوم القيامة ، فإذا جاء رسولهم وشهد بأنه قد بلغهم ما أمره الله به ، قضى ـ سبحانه ـ بينه وبينهم بالعدل ، فحكم بنجاة المؤمن وبعقوبة الكافر ، ولا يظلم ربك أحدا.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية «فكل أمة تعرض على الله ـ تعالى ـ بحضرة رسولها ، وكتاب أعمالها من خير أو شر شاهد عليهم ، وحفظتهم من الملائكة شهود أيضا أمة بعد أمة ، وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق ، إلا أنها أول الأمم يوم القيامة ، يفصل بينهم ويقضى لهم كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، المقضى لهم قبل الخلائق ، فأمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها ـ صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين» (٤).
وقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) حكاية لأقوالهم الدالة على طغيانهم وفجورهم.
أى : أن هؤلاء لم يكتفوا بالإعراض عن دعوة الحق ، بل قالوا لرسولهم صلىاللهعليهوسلم الذي حذرهم من عذاب الله إذا ما استمروا في كفرهم : متى يقع علينا هذا العذاب الأليم الذي تهددنا؟ إننا نتعجله فأت به إن كنت أنت وأصحابك من الصادقين في دعواكم أن هناك عذابا ينتظرنا.
وهذا القول منهم يدل على توغلهم في الكفر والجحود ، وعدم اكتراثهم بما يخبرهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٣٩.
(٢) سورة الرعد الآية ٤٠.
(٣) سورة غافر الآية ٧٧.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤١٩.