ربي وخالقي ، لا إله مستحق للعبادة سواه ، عليه لا على أحد سواه توكلت في جميع أمورى ، وإليه لا إلى غيره مرجعي وتوبتي وإنابتى.
فهذه الجملة الكريمة اشتملت على أبلغ رد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون الإله ـ جل وعلا ـ رحمانا ، وأنه ـ سبحانه ـ هو المستحق للعبادة.
ثم أشار ـ سبحانه ـ إلى عظمة هذا القرآن الذي أوحاه إلى نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ...).
والمراد بالقرآن هنا : معناه اللغوي ، أى الكلام المقروء.
وجواب لو محذوف لدلالة المقام عليه.
والمعنى : ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية ، (سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) أى : تحركت من أماكنها ، (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أى شققت وصارت قطعا ، (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) بأن يعودوا إلى الحياة بعد قراءته عليهم.
ولو أن كتابا مقروءا كان من وظيفته أن يفعل ذلك لكان هذا القرآن ، لكونه الغاية القصوى في الهداية والتذكير ، والنهاية العظمى في الترغيب والترهيب.
وعلى هذا المعنى يكون الغرض من الآية الكريمة بيان عظم شأن القرآن الكريم ، وإبطال رأى الكافرين الذين طلبوا من الرسول صلىاللهعليهوسلم آية كونية سواه.
ويصح أن يكون المعنى : ولو أن كتابا مقروءا من الكتب السماوية نزل عليك يا محمد فسيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، لما آمن هؤلاء المعاندون.
قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ...) (١).
وعلى هذا المعنى يكون المقصود من الآية الكريمة ، بيان غلوهم في العناد والطغيان ، وتماديهم في الكفر والضلال ، وأن سبب عدم إيمانهم ليس مرده إلى عدم ظهور الدلائل الدالة على صدقه صلىاللهعليهوسلم وإنما سببه الحسد والعناد والمكابرة.
ووجه تخصيص هذه الأشياء الثلاثة من بين الخوارق التي طلبوها منه صلىاللهعليهوسلم ما ذكره الإمام ابن كثير من أن المشركين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد ، لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١١١.