لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) إضراب عن مطالبهم المتعنتة إلى بيان أن الأمور كلها بيد الله ، وأن قدرته ـ سبحانه ـ لا يعجزها شيء.
أى : إن الله ـ تعالى ـ لا يعجزه أن يأتى بالمقترحات التي اقترحوها ، ولكن إرادته ـ سبحانه ـ لم تتعلق بما اقترحوه ، لعلمه ـ سبحانه ـ بعتوهم ونفورهم عن الحق مهما أوتوا من آيات.
وقوله ـ سبحانه : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) تيئيس للمؤمنين من استجابة أولئك الجاحدين للحق ، إلا أن يشاء الله لهم الهداية ، والاستفهام للإنكار. وأصل اليأس : قطع الطمع في الشيء والقنوط من حصوله.
وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة اتجاهان :
أحدهما يرى أصحابه أن الفعل ييأس على معناه الحقيقي وهو قطع الطمع في الشيء ، وعليه يكون المعنى : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان كفار قريش ، ويعلموا أن الله ـ تعالى ـ لو يشاء هداية الناس جميعا لاهتدوا ، ولكنه لم يشأ ذلك ، ليتميز الخبيث من الطيب.
وعلى هذا الاتجاه سار الإمام ابن كثير فقد قال ـ رحمهالله ـ : وقوله ـ تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أى : من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) فإنه ليس هناك حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن ، الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من نبي إلا وقد أوتى ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة (٢).
ويؤيد هذا الاتجاه ما ذكره السيوطي في تفسيره من أن بعض الصحابة قالوا للرسول صلىاللهعليهوسلم يا رسول الله ، اطلب لهم ـ أى للمشركين ـ ما اقترحوه عسى أن يؤمنوا.
أما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه أن الفعل ييأس بمعنى يعلم ، وعليه يكون المعنى : أفلم يعلم المؤمنون أنه ـ سبحانه ـ لو شاء هداية الناس جميعا لآمنوا.
وهذا الاتجاه صدر به الآلوسى تفسيره فقال ما ملخصه :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٨٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٨٥.