ذواتها وصفاتها «خير» لكما «أم» عبادة الله ـ تعالى ـ «الواحد» في ذاته وصفاته «القهار» لكل من غالبه أو نازعه؟
وكرر نداءهما بالصحبة ليتحبب إليهما بهذه الصفة التي فيها إيناس للقلوب ، وليسترعى انتباههما إلى ما يقوله لهما.
قال صاحب المنار ما ملخصه : «وقوله : أأرباب متفرقون خير ...» هذا استفهام تقرير بعد تخيير ، ومقدمة لأظهر برهان على التوحيد ، وكان المصريون المخاطبون به ، يعبدون كغيرهم من الأمم أربابا متفرقين في ذواتهم وفي صفاتهم وفي الأعمال التي يسندونها إليهم بزعمهم ، فهو يقول لصاحبيه أأرباب متفرقون ، أى عديدون هذا شأنهم في التفرق والانقسام «خير» لكما ولغيركما «أم الله الواحد القهار ..» (١).
ولا شك أن الجواب الذي لا يختلف فيه عاقلان ، أن عبادة الله ـ تعالى ـ الواحد القهار ، هي العبادة الصحيحة التي توافق الفطرة السليمة والعقول القويمة.
ثم انتقل يوسف ـ عليهالسلام ـ إلى تفنيد العقائد الباطلة والأوهام الكاذبة فقال : «ما تعبدون من دونه» أى من دون الله ـ تعالى ـ المستحق للعبادة.
(إِلَّا أَسْماءً) أى ألفاظا فارغة لا قيمة لها.
(سَمَّيْتُمُوها) آلهة بزعمكم «أنتم وآباؤكم» أما هي فليس لها من هذا الاسم المزعوم ظل من الحقيقة ، لأنها مخلوقة وليست خالقة ، ومرزوقة وليست رازقة ، وزائلة وليست باقية ، وما كان كذلك لا يستحق أن يكون إلها.
ومفعول (سَمَّيْتُمُوها) الثاني محذوف. والتقدير سميتموها آلهة.
وقوله «وآباؤكم» لقطع عذرهم ، حتى لا يقولوا : إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ، فكأنه ـ تعالى ـ يقول لهم : إن آباءكم كانوا أشد منكم جهلا وضلالا ، فلا يصح لكم أن تقتدوا بهم.
والمراد بالسلطان في قوله ـ تعالى ـ (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) الحجة والبرهان.
أى : ما أنزل الله ـ تعالى ـ بتسميتها أربابا ـ كما سميتموها بزعمكم ـ من برهان أو دليل يشعر بتسميتها بذلك ، وإنما أنتم الذين خلعتم عليها هذه الأسماء.
وقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) إبطال لجميع التصرفات المزعومة لآلهتهم ..
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٧ ص ٣٠٧.