واعتبروه عرضا من عروض التجارة القابلة للبيع والشراء.
ويكون المراد بقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) الشراء الحقيقي ، بمعنى أن السيارة اشتروا يوسف من إخوته بثمن بخس.
والحق أن الرأى الأول هو الذي تطمئن إليه النفس ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية ، ولأنه بعيد عن التكلف الذي يرى واضحا في القولين الثاني والثالث.
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) أى : لا يخفى عليه شيء من أسرارهم. ومن عملهم السيئ في حق يوسف. حيث إنهم استرقوه وباعوه بثمن بخس ، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم. كما جاء في الحديث الشريف.
وقوله : ـ سبحانه ـ (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) بيان لما فعله السيارة بيوسف بعد أن أسروه بضاعة.
وقوله (شَرَوْهُ) هنا بمعنى باعوه.
والبخس : النقص ، يقال بخس فلان فلانا حقه ، إذا نقصه وعابه. وهو هنا بمعنى المبخوس.
و (دَراهِمَ) جمع درهم ، وهي بدل من (بِثَمَنٍ).
و (مَعْدُودَةٍ) صفة لدراهم ، وهي كناية عن كونها قليلة ، لأن الشيء القليل يسهل عده ، بخلاف الشيء الكثير ، فإنه في الغالب يوزن وزنا.
والمعنى : أن هؤلاء المسافرين بعد أن أخذوا يوسف ليجعلوه عرضا من عروض تجارتهم ، باعوه في الأسواق بثمن قليل تافه ، وهو عبارة عن دراهم معدودة ، ذكر بعضهم أنها لا تزيد على عشرين درهما.
وقوله : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) بيان لعدم حرصهم على بقائه معهم ، إذ أصل الزهد قلة الرغبة في الشيء ، تقول زهدت في هذا الشيء ، إذا كنت كارها له غير مقبل عليه.
أى : وكان هؤلاء الذين باعوه من الزاهدين في بقائه معهم ، الراغبين في التخلص منه بأقل ثمن قبل أن يظهر من يطالبهم به.
قال الآلوسى ما ملخصه : «وزهدهم فيه سببه أنهم التقطوه من الجب ، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالى أن يبيعه بأى ثمن خوفا من أن يعرض له مستحق ينزعه منه ...» (١).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٠٣.