وأوقع النداء على البشرى ، للتعبير عن ابتهاجه وسروره ، حتى لكأنها شخص عاقل يستحق النداء ، أى : يا بشارتي أقبلى فهذا أوان إقبالك.
وقيل المنادى محذوف والتقدير : يا رفاقى في السفر أبشروا فهذا غلام ، وقد خرج من الجب.
وقرأ أهل المدينة ومكة : يا بشر اى هذا غلام. بإضافة البشرى إلى ياء المتكلم. والضمير المنصوب وهو الهاء في قوله : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) يعود إلى يوسف.
أما الضمير المرفوع فيعود إلى السيارة. وأسر من الإسرار الذي هو ضد الإعلان.
والبضاعة : عروض التجارة ومتاعها. وهذا اللفظ مأخوذ من البضع بمعنى القطع ، وأصله جملة من اللحم تبضع أى : تقطع. وهو حال من الضمير المنصوب في (وَأَسَرُّوهُ).
والمعنى : وأخفى جماعة المسافرين خبر التقاط يوسف من الجب مخافة أن يطلبه أحد من السكان المجاورين للجب ، واعتبره بضاعة سرية لهم ، وعزموا على بيعه على أنه من العبيد الأرقاء.
ولعل يوسف ـ عليهالسلام ـ قد أخبرهم بقصته بعد إخراجه من الجب.
ولكنهم لم يلتفتوا إلى ما أخبرهم به طمعا في بيعه والانتفاع بثمنه.
ومن المفسرين من يرى أن الضمير المرفوع في قوله (وَأَسَرُّوهُ) يعود على الوارد ورفاقه ، فيكون المعنى :
وأسر الوارد ومن معه أمر يوسف عن بقية أفراد القافلة ، مخافة أن يشاركوهم في ثمنه إذا علموا خبره ، وزعموا أن أهل هذا المكان الذي به الجب دفعوه إليهم ليبيعوه لهم في مصر على أنه بضاعة لهم.
ومنهم من يرى أن الضمير السابق يعود إلى إخوة يوسف.
قال الشوكانى ما ملخصه : وذلك أن يهوذا كان يأتى إلى يوسف كل يوم بالطعام. فأتاه يوم خروجه من الجب فلم يجده ، فأخبر إخوته بذلك ، فأتوا إلى السيارة وقالوا لهم : إن الغلام الذي معكم عبد لنا قد أبق ، فاشتروه منهم بثمن بخس ، وسكت يوسف مخافة أن يأخذه إخوته فيقتلوه» (١).
وعلى هذا الرأى يكون معنى (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) : أخفى إخوة يوسف كونه أخا لهم ،
__________________
(١) تفسير الشوكانى ج ٣ ص ١٣.