الرأس للدماغ ، وأم القرى لمكة ، وكل مدينة فهي أم لما حولها من القرى فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلا لجميع الكتب» (١).
والمعنى : يمحو الله ـ تعالى ـ ما يشاء محوه ، ويثبت ما يريد إثباته من الخير أو الشر ومن السعادة أو الشقاوة ، ومن الصحة أو المرض ، ومن الغنى أو الفقر ، ومن غير ذلك مما يتعلق بأحوال خلقه.
وعنده ـ سبحانه ـ الأصل الجامع لكل ما يتعلق بأحوال هذا الكون.
قال ـ تعالى ـ : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ...) (٢).
وقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٣).
وللمفسرين في معنى هذه الآية كلام طويل ، لخصه الإمام الشوكانى تلخيصا حسنا فقال :
قوله ـ سبحانه ـ : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) أى يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه ، وظاهر النظم القرآنى العموم في كل شيء مما في الكتاب ، فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر ... ويبدل هذا بهذا ، ويجعل هذا مكان هذا. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وقتادة وغيرهم.
وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة. وقيل يمحو ما يشاء من ديوان الحفظة ، وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب.
وقيل «يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه ، ويثبت ما لا يشاء فلا ينسخه ... والأول أولى كما تفيده «ما» في قوله «ما يشاء» من العموم مع تقدم ذكر الكتاب في قوله «لكل أجل كتاب» ومع قوله «وعنده أم الكتاب» أى أصله وهو اللوح المحفوظ.
فالمراد من الآية أنه يمحو ما يشاء مما في اللوح المحفوظ فيكون كالعدم ، ويثبت ما يشاء مما فيه فيجري فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته.
وهذا لا ينافي ما ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم من قوله «جفّ القلم» ، وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه ـ سبحانه ـ.
وقيل : إن أم الكتاب هو علم الله ـ تعالى ـ : بما خلق وبما هو خالق (٤).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ٦٦.
(٢) سورة الحديد الآية ٢٢.
(٣) سورة الحج الآية ٧٠.
(٤) تفسير الشوكانى ج ٣ ص ٨٨.