الحق مأخوذ من ضلال الطريق ، وهو العدول عن سمته ، يقال : ضل الطريق وأضل الشيء إذا أضاعه ..» (١).
وقوله : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أى : فكيف تصرفون وتتحولون عن الحق إلى الضلال ، بعد اعترافكم وإقراركم بأن خالقكم ورازقكم ومدبر أمركم هو الله ـ تعالى ـ وحده.
فأنى هنا بمعنى كيف ، والاستفهام لإنكار واقعهم المخزى واستبعاده والتعجب منه.
ومن الأحكام التي تؤخذ من هذه الآية الكريمة : أن الحق والباطل ، والهدى والضلال ، نقيضان لا يجتمعان ، لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين في وقت واحد بل متى ثبت أن أحدهما هو الحق ، وجب أن يكون الآخر هو الباطل.
ثم بين ـ سبحانه ـ سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل ، فقال ـ تعالى ـ :
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
والكاف للتشبيه بمعنى مثل. وحقت بمعنى وجبت وثبتت.
والمراد بالكلمة هنا : حكمه وقضاؤه ـ سبحانه ـ.
والمعنى : مثل ما ثبت أن الله ـ تعالى ـ هو الرب الحق ، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال ، ثبت ـ أيضا ـ الحكم والقضاء منه ـ سبحانه ـ على الذين فسقوا عن أمره ، وعموا وصموا عن الحق ، أنهم لا يؤمنون به ، لأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.
فالمراد بالفسق هنا : التمرد في الكفر ، والسير فيه إلى أقصى حدوده.
ثم ساق ـ سبحانه ـ أنواعا أخرى من الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته.
فقال :
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٣٦.