وقوله : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) حكاية لما قالته الملائكة لها ، زيادة في سرورها وفي إدخال الطمأنينة على قلبها.
أى رحمة الله الواسعة ، وبركاته وخيراته النامية عليكم أهل البيت الكريم وهو بيت إبراهيم ـ عليهالسلام ـ.
قال صاحب الكشاف : وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها ، لأنها كانت في بيت الآيات ، ومهبط المعجزات ، والأمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقر ، ولا يزدهيها ما يزدهى سائر النساء الناشئات في غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده ، مكان التعجب.
وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ). أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ، ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة ، فليس بمكان عجب. والكلام مستأنف علل به إنكار التعجب. كأنه قيل : «إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) تذييل بديع قصد به وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل.
أى إنه ـ سبحانه ـ (حَمِيدٌ) أى : مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده (مَجِيدٌ) أى : كريم واسع الإحسان ، فليس بعيدا منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر.
قال صاحب المنار ما ملخصه : وأصل المجد في اللغة أن تقع الإبل في أرض واسعة المرعى ، كثيرة الخصب ، يقال : مجدت الإبل تمجد من باب نصر ـ مجدا ومجادة ، وأمجدها الراعي.
والمجد في البيوت والأنساب ما يعده الرجل من سعة كرم آبائه وكثرة نوالهم.
ووصف الله كتابه بالمجيد ، كما وصف نفسه بذلك ، لسعة هداية كتابه ، وسعة كرمه وفضله على عباده ...» (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما كان من إبراهيم بعد أن سكن خوفه ، واطمأن إلى ضيوفه فقال : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) أى : الخوف والفزع ، بسبب اطمئنانه إلى ضيوفه ، وعلمه أنهم ليسوا من البشر.
(وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) منهم بالولد ، واتصال النسل ، فازداد سرورا بهم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨١.
(٢) تفسير المنار ج ١٢ ص ١٣٠.