بمضمون الخبر ، وللإشارة الى تحقيقه ، وإدخال الروع في قلوبهم.
وعبر بالماضي (حاقَ) مع أنه لم ينزل بهم بعد ، للإشارة ، إلى أنه آت لا ريب فيه ، عند ما يأذن الله ـ تعالى ـ بذلك.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من طبيعة بنى آدم إلا من عصم الله فقال ـ تعالى ـ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ ...).
والمراد بالإنسان هنا الجنس على أرجح الأقوال ، فيشمل المسلم وغيره ، بدليل الاستثناء الآتي بعد ذلك في قوله (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
قال الفخر الرازي ما ملخصه : المراد بالإنسان هنا مطلق الإنسان ويدل عليه وجوه :
الأول : أنه ـ تعالى ـ استثنى منه قوله (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل ، فثبت أن الإنسان المذكور في هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر.
الثاني : أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله ـ سبحانه ـ : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...).
الثالث : أن مزاج الإنسان مجبول على الضعف والعجز. قال ابن جريج في تفسير هذه الآية : «يا ابن آدم إذا نزلت بك نعمة من الله فأنت كفور ، فإذا نزعت منك فيؤوس قنوط» (١).
وقيل المراد بالإنسان هنا جنس الكفار فقط ، لأن هذه الأوصاف تناسبهم وحدهم.
والمراد بالرحمة هنا : رحمة الدنيا ، وأطلقت على أثرها وهو النعمة كالصحة والغنى والأمان وما يشبه ذلك من ألوان النعم.
واليؤوس والكفور : صيغتا مبالغة للشخص الكثير اليأس ، والكفر ، والقنوط : الشديد الجحود لنعم الله ـ تعالى ـ يقال : يئس من الشيء ييأس ، إذا قنط منه.
والمعنى : ولئن منحنا الإنسان ـ بفضلنا وكرمنا ـ بعض نعمنا ، كالصحة والغنى والسلطان والأمان (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) أى : ثم سلبناها منه ، لأن حكمتنا تقتضي ذلك.
(إِنَّهُ) في هذه الحالة (لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) أى : لشديد اليأس والقنوط من أن يرجع اليه ما سلب منه أو مثله ، ولكثير الكفران والجحود لما سبق أن تقلب فيه من نعم ومنن.
قال الشوكانى : وفي التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ١٩٠ طبعة عبد الرحمن محمد.