ثم قال ـ تعالى ـ : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ).
(تِلْكَ) اسم إشارة والمشار إليه الآيات. والمراد بها آيات القرآن الكريم. ويندرج فيها آيات السورة التي معنا.
والكتاب : مصدر كتب كالكتب ، وأصل الكتب : ضم أديم إلى أديم بالخياطة ، واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط والمراد به القرآن الكريم على الصحيح.
قال الآلوسى : «وأما حمل الكتاب على الكتب التي خلت قبل القرآن من التوراة والإنجيل وغيرهما ، كما أخرجه ابن أبى حاتم عن قتادة فهو في غاية البعد (١)».
والحكيم ـ بزنة فعيل ـ مأخوذ من الفعل حكم بمعنى منع. تقول حكمت الفرس أى وضعت الحكمة في فمها لمنعها من الجموح والنفور.
والمقصود أن هذا الكتاب ممتنع عن الفساد ، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : «وفي وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه منها : أن الحكيم هو ذو الحكمة ، بمعنى اشتماله على الحكمة ـ فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر ـ ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم ، بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم والإحكام معناه المنع من الفساد ، فيكون المراد منه أنه لا تغيره الدهور أو المراد منه براءته من الكذب والتناقض (٢)».
والمعنى : تلك الآيات السامية ، والمنزلة عليك يا محمد ، هي آيات الكتاب ، المشتمل على الحكمة والصواب المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
وصحت الإشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكن قد نزلت جميعها ، لأن الإشارة إلى جميعها ، حيث كانت بصدد الإنزال ، ولأن الله ـ تعالى ـ قد وعد رسوله صلىاللهعليهوسلم بنزول القرآن عليه ، كما في قوله : ـ تعالى ـ : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ووعد الله ـ تعالى ـ لا يتخلف.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف المشركين من دعوته فقال : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ..
روى الضحاك عن ابن عباس قال : لما بعث الله ـ تعالى ـ رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٥٨ الطبعة المنيرية.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٥ طبعة عبد الرحمن محمد سنة ١٣٥٧ ه سنة ١٩٣٧ م.