حكم الله عليهم في آخرتهم بعد أن ضيعوا دنياهم.
والمراد بلقاء الله : مطلق الحساب والجزاء الكائن في يوم القيامة.
أى : أن هؤلاء الأشقياء الذين أعرضوا عن الحق وأنكروا الحشر ، قد خسروا سعادتهم الأبدية ، وحق عليهم العذاب المهين ، بسبب كفرهم وطغيانهم ، وعدم اهتدائهم إلى طريق النجاة.
وقوله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) تأكيد لخسرانهم ، ولوقوع العذاب بهم ، وتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم و «إن» شرطية. و «ما» مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، وجملة (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) جواب للشرط وما عطف عليه.
والمعنى : إن هؤلاء المشركين الذين ناصبوك العداوة أيها الرسول الكريم لا يخفى علينا أمرهم ونحن إما نرينك ببصرك بعض الذي نعدهم به من العذاب الدنيوي ، وإما نتوفينك ، قبل ذلك ، وفي كلتا الحالتين فإن مرجعهم إلينا وحدنا في الآخرة ، فنعاقبهم العقوبة التي يستحقونها.
وقال ـ سبحانه ـ (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) للإشارة إلى أن ما ينزل بهم من عذاب دنيوى ، هو جزء من العذاب المدخر لهم في الآخرة.
وقد أنجز الله ـ تعالى ـ وعده لنبيه صلىاللهعليهوسلم فسلط عليهم القحط والمجاعة ، حتى كانوا لشدة جوعهم يرون كأن بينهم وبين السماء دخانا. ونصر المسلمين عليهم في غزوتى بدر والفتح ، وكل ذلك حدث في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال ـ سبحانه ـ (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) ولم يقل بعض الذي وعدناهم ، لاستحضار صورة العذاب ، والدلالة على تجدده واستمراره.
أى : نعدهم وعدا متجددا على حسب ما تقتضيه حكمتنا ومشيئتنا ، من إنذار عقب إنذار ، ومن وعيد بعد وعيد.
والمراد من الشهادة في قول (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) لازمها وهو المعاقبة والمجازاة ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : ثم الله ـ تعالى ـ بعد ذلك معاقب لهم على ما فعلوه من سيئات ، وما يرتكبونه من منكرات.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم؟
قلت : ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، فكأنه قال : ثم الله معاقبهم على ما يفعلون. ويجوز أن يراد أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق