الله ـ تعالى ـ فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم كما قال ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ...).
أو المعنى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أى : قائد يهديهم إلى الرشد ، وهو الكتاب المنزل عليهم ، الداعي بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم.
يعنى : أن سر الإرسال وآيته الفريدة إنما هو الدعاء إلى الهدى ، وتبصير سبله ، والإنذار من الاسترسال في مساقط الردى. وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه. فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى. وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله وحده ...» (١).
* * *
ثم صور ـ سبحانه ـ سعة علمه تصويرا عميقا ، تقشعر منه الجلود ، وترتجف له المشاعر ، وساق سنة من سننه التي لا تتغير ولا تتبدل ، فقال ـ تعالى ـ :
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(١١)
فقوله ـ سبحانه ـ (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) كلام مستأنف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته ـ سبحانه ـ.
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٩ ص ٣٦٤٨.