قال البيضاوي ما ملخصه ، وأسند ـ سبحانه ـ الازدراء إلى الأعين في قوله (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) للمبالغة والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادى الرؤية ـ أى بمجرد نظرهم إليهم ـ من غير روية بسبب ما عاينوه من رثاثة حالهم وقلة منالهم ، دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم» (١) وهذا الإسناد من باب المجاز العقلي ، لأن الازدراء ينشأ عن مشاهدة الصفات الحقيرة «في نظر الناظر» فتكون الأعين سببا في هذا الازدراء.
وأكد جملة (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) بعدة مؤكدات ، تحقيقا لظلم كل من يدعى شيئا من هذه الدعاوى ، وتكذيبا لأولئك الكافرين الذين احتقروا المؤمنين ، وزعموا أن الله ـ تعالى ـ لن يؤتيهم خيرا.
وهكذا نجد نوحا ـ عليهالسلام ـ يشرح لقومه بأسلوب مهذب حكيم حقيقة أمره ، ويرد على شبهاتهم بما يزهقها ...
وعند ما وجدوا أنفسهم عاجزين عن الرد على نبيهم بأسلوب مقارعة الحجة بالحجة ، لجئوا ـ على عادة طبقتهم ـ إلى أسلوب التحدي وقد أخذتهم العزة بالإثم فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم :
(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٣٤)
أى : قال قوم نوح ـ عليهالسلام ـ له بعد أن غلبهم بحجته ، وعجزوا عن الدفاع عن أنفسهم : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا ...)
أى : خاصمتنا ونازعتنا فأكثرت في ذلك حتى لم تترك لنا منفذا للرد عليك ، والجدال : هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة. وأصله ـ كما يقول الآلوسى ـ من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ، ومنه الجديل ـ أى الحبل المفتول ـ ، وجدلت البناء : أحكمته ، والأجدل :
__________________
(١) تفسير البيضاوي ص ٤٦٧.