لا ينبغي أن يخفى عليه ، وأنه ينبغي أن يتعجب منه ، ثم أجرى الكلام معه ، كما يجرى مع من رأى ، قصدا إلى المبالغة في شهرته وعراقته في التعجب ...» (١).
والمعنى ؛ ألم تعلم ـ أيها العاقل ـ أن الله ـ تعالى ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ). أى : خلقهما بالحكمة البالغة المنزهة عن العبث ، وبالوجه الصحيح الذي تقتضيه إرادته ، وهو ـ سبحانه ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أى ـ يهلككم أيها الناس (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) سواكم ، لأن القادر على خلق السموات والأرض وما فيهما من أجرام عظيمة ، يكون على خلق غيرهما أقدر ، كما قال ـ تعالى ـ (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ...) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) معطوف على ما قبله ، ومؤكد لمضمونه. أى : إن يشأ ـ سبحانه ـ يهلككم ـ أيها الناس ـ ويأت بمخلوقين آخرين غيركم ، وما ذلك الإذهاب بكم ، والإتيان بغيركم بمتعذر على الله ، أو بمتعاص عليه ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء ، ولا يحول دون نفاذ قدرته حائل.
وشبيه بهذا قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٤).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) (٥).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين الضعفاء والمستكبرين ، بين الأتباع والمتبوعين ... فقال ـ تعالى ـ : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ، فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ...).
وقوله (وَبَرَزُوا) من البروز بمعنى الظهور ، مأخوذ من البراز وهو الفضاء الواسع ، الذي يظهر فيه الناس بدون استتار. أى : وخرج الكافرون جميعا من قبورهم يوم القيامة ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٦٠.
(٢) سورة غافر الآية ٥٧.
(٣) سورة فاطر الآيات من ١٥ ـ ١٧.
(٤) سورة محمد الآية ٣٨.
(٥) سورة النساء الآية ١٣٣.