أى : وتمت كلمة ربك ، ونفذ قضاؤه ، وثبت حكمه الذي أكده وأقسم عليه بقوله : لأملأن جهنم من عصاة الجن ، ومن عصاة الإنس أجمعين ، لأنه من المعروف أن الوعيد إنما هو للعصاة والمذنبين وليس للمؤمنين الصادقين.
قال الآلوسى : وفي معنى ذلك ما قيل من أن المراد بالجنة والناس أتباع إبليس لقوله ـ تعالى ـ في سورة الأعراف وفي سورة ص (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) فاللازم دخول جميع تابعيه في جهنم ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ...» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أهم الفوائد التي تعود على الرسول صلىاللهعليهوسلم من وراء إخباره بأحوال الأنبياء السابقين مع أقوامهم فقال : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ ...).
والتنوين في قوله (وَكُلًّا) للعوض عن المضاف إليه. والأنباء جمع نبأ وهو الخبر الهام :
أى : وكل نبأ من أنباء الرسل الكرام السابقين نقصه عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ ونخبرك عنه. فالمقصود به تثبيت قلبك ، وتقوية يقينك ، وتسلية نفسك ونفوس أصحابك عما لحقكم من أذى في سبيل تبليغ دعوة الحق إلى الناس.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) بيان لما اشتملت هذه السورة الكريمة من أخبار صادقة ، وعظات بليغة.
أى وجاءك ـ أيها الرسول الكريم ـ في هذه السورة الكريمة وغيرها من سور القرآن الكريم : الحق الثابت المطابق للواقع ، والعظات الحكيمة ، والذكرى النافعة للمؤمنين بما جئت به.
وأما الذين في قلوبهم مرض فقد زادتهم هذه السورة وأمثالها رجسا إلى رجسهم ، وماتوا وهم كافرون.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بالسير في طريق الحق بدون مبالاة بتهديد أعدائه فقال : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) والأمر في هذه الآية الكريمة للتهديد.
ومكانتكم : مصدر مكن ـ بزنة كرم ـ مكانة ، إذا تمكن من الأمر أبلغ التمكن.
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين الذين يضعون العقبات في طريق
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٤٨.