واسم الإشارة في قوله (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يعود على المصدر المفهوم من مختلفين قال الآلوسى : فكأنه قيل : وللاختلاف خلق الناس ، على معنى لثمرة الاختلاف من كون فريق في الجنة وفريق في السعير خلقهم.
واللام لام العاقبة والصيرورة ، لأن حكمة خلقهم ليس هذا ، لقوله ـ سبحانه ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ولأنهم لو خلقهم له ـ أى للاختلاف ـ لم يعذبهم على ارتكاب الباطل ...» (١).
ومنهم من جعل الإشارة إلى الرحمة لأنها أقرب مذكور ، فيكون التقدير : إلا من رحم ربك ولرحمته ـ سبحانه ـ خلق الناس.
وصح تذكير اسم الإشارة مع عودته إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقى.
ومنهم من جعل الإشارة إلى مجموع الاختلاف والرحمة ، لأنه لا مانع من الإشارة بها إلى شيئين كما في قوله (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) أى بين الفارض والبكر.
فيكون المعنى : «وللاختلاف والرحمة خلقهم» أى أنه ـ سبحانه ـ خلق أهل الرحمة للرحمة وأهل الاختلاف للاختلاف.
وقد رجح الإمام القرطبي هذا الوجه فقال : قوله «ولذلك خلقهم» قال الحسن ومقاتل وعطاء :
الإشارة إلى الاختلاف ، أى : وللاختلاف خلقهم. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك :
الإشارة إلى الرحمة : أى : ولرحمته خلقهم.
وقيل : الإشارة إلى الاختلاف والرحمة ، وقد يشار بذلك إلى شيئين متضادين ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً).
وهذا أحسن الأقوال ـ إن شاء الله ـ لأنه يعم. أى : ولما ذكر خلقهم .. أى : خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير. أى خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة ...» (٢).
والمراد بكلمة ربك في قوله ـ سبحانه ـ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) قضاؤه النافذ ، وإرادته التي لا تتخلف ، وحكمه الأزلى.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١١٤٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ٩ ص ١١٥.