والمراد بهم : أولئك المؤمنون الصادقون الذي صلحت أعمالهم ، وحسنت بالله ـ تعالى ـ صلتهم ، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه ، ويجتنبون كل ما يكرهه.
قال الفخر الرازي : «ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب ، فولى كل شيء هو الذي يكون قريبا منه. (١)
والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقا في نور معرفته ، فإن رأى رأى دلائل قدرته ، وإن سمع سمع آيات وحدانيته ، وإن نطق نطق بالثناء عليه ، وإن تحرك تحرك في خدمته ، وإن اجتهد اجتهد في طاعته ، فهنالك يكون في غاية القرب من الله ـ تعالى ـ ويكون وليا له ـ سبحانه ـ.
وإذا كان كذلك كان الله ـ وليا له ـ أيضا ـ كما قال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).
وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح (أَلا) وبحرف التوكيد (إِنَ) لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم ، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية.
وقوله : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم.
والخوف : حالة نفسية تجعل الإنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصول ما يكرهه.
والحزن اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه.
أى : أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله ، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلا.
والمعنى : ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم ، وحسن عملهم ، لا خوف عليهم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا ، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله ـ سبحانه ـ ، فمتى فعلوا ما يؤدى إلى ذلك هان كل ما سواه.
وقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) استئناف مسوق لتوضيح حقيقتهم فكأن سائلا قال : ومن هم أولياء الله؟ فكان الجواب هم الذين توفر فيهم الإيمان الصادق ، والبعد التام عن كل ما نهى الله ـ تعالى ـ عنه.
وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضي ، للإشارة إلى أنه إيمان ثابت راسخ. لا تزلزله الشكوك ، ولا تؤثر فيه الشبهات.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ١٢٦.