القيامة ، على سبيل الإمهال والاستدراج في الدنيا في طغيانهم يتحيرون ويترددون ، بحيث تلتبس عليهم الأمور فلا يعرفون الخير من الشر.
ثم صور ـ سبحانه ـ طبيعة الإنسان في حالتي العسر واليسر فقال : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ..).
والمس : اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة.
والضر : ما يصيب الإنسان من سوء الحال في نفسه أو بدنه أو غيرهما مما يحبه ويشتهيه.
والمعنى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) عن طريق المرض أو الفقر أو غيرهما (دَعانا) بإلحاح وتضرع لكي نكشفه عنه ، فهو تارة يدعونا وهو مضطجع على جنبه ، وتارة يدعونا وهو قاعد ، وتارة يدعونا وهو قائم على قدميه.
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ) وما أصابه من سوء (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) أى : مضى واستمر في غفلته الأولى حتى لكأنه لم تنزل به كروب ، ولم يسبق له أن دعانا بإلحاح لكشفها.
وخص ـ سبحانه ـ هذه الأحوال بالذكر ، لعدم خلو الإنسان عنها في العادة.
وقيل : يصح أن يراد بهذه الأحوال تعميم أصناف المضار ، لأنها قد تكون خفيفة فيدعو الله وهو قائم ، وقد تكون متوسطة فيدعوه وهو قاعد ، وقد تكون ثقيلة فيدعوه وهو نائم.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : «فإن قلت : فما فائدة ذكر هذه الأحوال؟
قلت : معناه أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر ، فهو يدعونا في حالاته كلها ، سواء أكان منبطحا عاجزا عن النهوض ، أم كان قاعدا لا يقدر على القيام ، أم كان قائما لا يطيق المشي.
ويجوز أن يراد أن من المضرورين من هو أشد حالا وهو صاحب الفراش ، ومنهم من هو أخف ، وهو القادر على القعود ، ومنهم المستطيع للقيام ، وكلهم لا يستغنون عن الدعاء واستدفاع البلاء ، لأن الإنسان للجنس ..» (١).
وفي التعبير بالمس إشارة إلى أن ما أصابه من ضر حتى ولو كان يسيرا فإنه لا يترك الدعاء والابتهال إلى الله بأن يكشفه عنه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨٢.