قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) مجاراة لأول مقالتهم (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) كما تقولون ، وهذا كالقول بالموجب ، لأن فيه إطماعا في الموافقة ، ثم كروا على قولهم بالإبطال فقالوا : (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).
أى : إنما اختصنا الله ـ تعالى ـ بالرسالة بفضل منه وامتنان ، والبشرية غير مانعة لمشيئته ـ جل وعلا ـ. وفيه دليل على أن الرسالة عطائية ، وأن ترجيح بعض الجائز على بعض بمشيئته ـ تعالى ـ ولا يخفى ما في العدول عن «ولكن الله منّ علينا» ، إلى ما في النظم الجليل منهم ـ عليهمالسلام ـ (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) حكاية لرد الرسل على قول المكذبين لهم (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ).
أى : وقال الرسل للمكذبين من أقوامهم ـ أيضا ـ : وما صح وما استقام لنا نحن الرسل أن نأتيكم ـ أيها الضالون ـ بحجة من الحجج ، أو بخارق من الخوارق التي تقترحونها علينا ، إلا بإذن الله وإرادته وأمره لنا بالإتيان بما اقترحتم ، فنحن عباده ولا نتصرف إلا بإذنه.
ثم أكد الرسل تمسكهم بالمضي في دعوتهم فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
والتوكل على الله معناه : الاعتماد عليه ، وتفويض الأمور إليه ، مع مباشرة الأسباب التي أمر ـ سبحانه ـ بمباشرتها.
أى : وعلى الله وحده دون أحد سواه ، فليتوكل المؤمنون ، الصادقون ، دون أن يعبئوا بعنادكم ولجاجكم ، ونحن الرسل على رأس هؤلاء المؤمنين الصادقين.
فالجملة الكريمة أمر من الرسل لمن آمن من قومهم بالتوكل على الله وحده ، وقد قصدوا بهذا الأمر أنفسهم قصدا أوليا ، بدليل قولهم بعد ذلك ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا).
أى : وما عذرنا إن تركنا التوكل على الله ـ تعالى ـ والحال أنه ـ عزوجل ـ قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه ، فقد هدانا لأقوم الطرق وأوضحها وأبينها ، وهي طريق إخلاص العبادة له والاعتماد عليه وحده في كل شئوننا.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٧٧.